“ابن القلب”..قصة عيش مهاجر سري مغربي بفضل قلب “مسيحي”
عن موقع دويتشه فيله
لمع اسم المهاجر المغربي هشام بن مبارك في سماء الموضة والأزياء الإيطالية وارتبط اسم شركته “ابن القلب” بقصة معاناته مع قلبه، الذي تحول فيما بعد إلى رمز للتسامح والتعايش بين الأديان.
بن مبارك، والذي أصبح اسمه اليوم يفرض نفسه بقوة في عالم الأزياء والموضة بإيطاليا، غير أن هذا الإسم يخفي وراءه قصة تحدي وإصرار للنجاح، كما يقدم مثالاً حياً للتسامح والتعايش بين الأديان السماوية في خضم النقاش الدائر في أوروبا حول الإرهاب والتطرف والصور النمطية التي تلاحق المسلمين في أنحاء العالم.العودة إلى الحياة
فبعد نجاته من مغامرة الهجرة السرية على متن قارب إلى أوروبا رفقة والدته وهو في سن السادسة ونجاحه بعد ذلك في وقت وجيز بالاندماج في المجتمع الإيطالي، كاد الشاب المغربي هشام بن مبارك، 35 عاماً أن يفقد حياته عام 2011 بسبب قلبه الذي ضعف أداؤه فجأة، وأصبحت حياته رهينة بأن يهب أحدهم قلباً يلائم جسده. ولحسن الحظ تمكن “ابن القلب” من العودة إلى الحياة.
هجرة الطفل نحو إيطاليا لا زالت ذكريات سنوات طفولته الأولى بالمغرب، حاضرة في ذهن هشام إلى اليوم كما يقول في بداية حواره مع دوتش فيليه عربية: “قضيت أياماً جميلة في تلك الفترة من طفولتي التي عشتها بالمغرب، حيث لازلت أتذكر الطريق إلى المدرسة والمسجد رفقة أصدقائي وبالرغم من صغر سننا، كنا نتولى حماية أنفسنا بنفسنا، ولم يراقبنا أهلنا يوما ما”.
ويضيف هشام “أن ما يعجبه بالمغرب هو طريقة تربية الأطفال هناك، حيث أنهم يتعلمون تحمل المسؤولية ويتولون حماية أنفسهم منذ صغر سنهم…”. عندما فقد هشام والده، لم يكن عمره آنذاك يتجاوز الستة أشهر، وبسبب ثقل الحمل على والدته وتزايد صعوبات الحياة، قررت الأم الهجرة إلى أوروبا، وتمكنت من تحقيق ذلك وهشام في السادسة من عمره، وعن تجربة عبوره إلى الضفة الأخرى رفقة والدته على متن قارب للهجرة السرية يقول هشام:” اقترضت والدتي المال اللازم للرحلة، التي كانت محفوفة بالمخاطر، كما هو حال المهاجرين السريين وبعد معاناة دامت لأيام في أحد سجون فرنسا، تمكنت أنا ووالدتي في آخر المطاف من الوصول إلى إيطاليا”.
عانى هشام ووالدته في بداية وصولها إيطاليا كغيرهم من آلاف المهاجرين السريين، الذين يصلون أوروبا سنوياً بدون وثائق إقامة، ولكن بفضل تعاطف سيدة إيطالية مع قصة الأم وابنها، تمكن هشام من الالتحاق بالمدرسة بمدينة فلورنسا، كما حصلت والدته على عمل بشكل قانوني.”ابن القلب”..ميلاد جديد بعد إنهاء دراسته الثانوية، قررهشام ولوج سوق العمل لمساعدة والدته، ولأنه يمتلك هواية الرسم والتصميم منذ نعومة أظفاره، استطاع أن يطور مهاراته ويفتتح بإمكانيات بسيطة محلا صغيرا لصنع بعض المنتوجات الجلدية البسيطة كالأحذية والأحزمة في إيطاليا. وأطلق في البداية اسم “بن مبارك” على محله نسبة إلى اسمه العائلي. يعشق الشاب الثلاثيني ممارسة كرة القدم مع أصدقائه وفي أحد الأيام من عام 2011 بينما هو يمارس هوايته المفضلة، سقط هشام أرضاً إثر تعرضه لأزمة قلبية، ونقل بعدها إلى المستشفى.
وبعد أن فقد الأطباء الأمل في استعادة قلب هشام لعافيته ونشاطه، تم تسجيله في لائحة من ينتظرون قلباً من متبرع متوفي. وبعد شهورمن الانتظار انتهت معاناة هشام مع قلبه، بعملية زرع قلب جديد لشاب مسيحي متوفي في حادثة سير، ليعود هشام ويكمل حياته وقصة نجاحه في عالم الموضة والأزياء وحول هذه التجربة يقول الشاب المغربي:”حمدت الله على أنني عدت للحياة من جديد بفضل قلب شاب مسيحي، لا أعرفه ولكن كل ما يجمعني به هو الإنسانية، وأنا أبقى دائماً مسلما و”ابن القلب” ولهذا غيرت اسم شركتي أيضاً إلى هذا الإسم، بعد عملية زرع القلب.
ويضيف هشام:”أحب الحياة وأحب أيضاً أن أساعد الناس ليعيشوا حياتهم”. “أنا مسلم ينبض جسدي بقلب مسيحي” بالرغم من أن هشام كبر وترعرع وسط المجتمع الإيطالي، وتزوج من إيطالية، ولديه طفل منها، إلا أنه ظل يفتخر بجذوره كمغربي وكمسلم ولا يمل من تكرار ذلك في كل مناسبة يكون حاضراً فيها. وعن هذا يقول مصمم الأزياء المغربي:”نشأت بين الإيطاليين وأحبوني كثيراً وإلى جانب هذا أنا أحرص أيضاً على التواجد بين العرب من خلال التوجه إلى المراكز الإسلامية والمساجد العربية لتعلم وحفظ القرآن، لأنني فخور بأصلي وهويتي العربية والإسلامية”.
ويحاول هشام توظيف قصته في الدعوة إلى الإخاء والتسامح بين الشعوب والأديان، حيث يقوم بتوعية أبناء المسلمين الذين ولدوا وترعرعوا في أوروبا، وينبههم إلى “أن من يقتلون أنفسهم والناس باسم الدين لا يمثلون الإسلام والمسلمين الحقيقيين” وعن هذا يقول المهاجر المغربي:”أنا فخور بأنني مسلم وأن القلب الذي ينبض بداخلي مسيحي، لأننا كلنا بشر وسواسية ولا يجب لأحد أن ينصب نفسه محاسباً على البشر مثله”.
رسالة الإسلام تتجسد في المعاملة ويؤكد هشام أن رسالة الإسلام تتجسد في المعاملة الحسنة وعن ذلك يقول:”الإسلام هو رسالة يحملها المسلمون ويبلغونها من خلال معاملتهم ويجب أن يكونوا على قدر تحمل هذه المسؤولية، فعندما يقدم الإنسان شيئاً إيجابيا في المجتمع يتساءل الناس من وراء هذا؟ فيعلمون أن هشام بن مبارك مثلاً هو من قام بهذا العمل الإيجابي وهو مسلم، وهكذا تتغير نظرتهم تلقائياً للمسلمين وبهذا تكون الرسالة الصحيحة للإسلام قد بُلغت”.
وتتجسد نظرة هشام هذه للإسلام في تعامله مع العاملين بشركته، وبالأخص من خلال موقف حدث له مؤخراً مع إحدى العاملات الإيطاليات بشركته والتي كانت حديث الصحافة الإيطالية. حيث لم تصدق ليتيساي كيارا وهي إحدى العاملات في شركة المصمم المغربي هشام بنمبارك نفسها، عندما هنأها هشام على حملها وأخبرها أنه سيجدد عقد عملها لأجل غير مسمى.
في حين أنها كانت تستعد لمغادرة منصبها في الشركة، بسبب اقتراب انتهاء عقدها وحملها، الذي يظطرها إلى الغياب لفترة طويلة، مما يؤدي إلى تسريحها من العمل كما هوعادة تعامل بعض الشركات مع المرأة الحامل في إيطاليا ويعتبر هشام “أن ما قام به عادي وأن المرأة تستحق أكثر من هذا، ولا يجب حرمانها من العمل لمجرد حملها”. وصلت أزياء هشام بن مبارك أو”ابن القلب”، حسب تسميته المعروفة، إلى العاصمة اليابانية طوكيو والولايات المتحدة الأمريكية و قريبا ستصل إلى ألمانيا.