3 نونبر 2024

إم بي سي 5

إم بي سي 5


أطلقت مجموعة” إم بي سي” قبل أيام قليلة، قناة جديدة أريد لها، في البداية، أن تكون مغارية أو إفريقية، في الإسم والمحتوى على منوال قناة” إم بي سي مصر”، قبل أن تتحول البوصلة لتمنحنا رقما جديدا خامسا، ينضاف إلى الأرقام الأربعة السابقة،دون الإشارة إلى الهوية أو الشريحة المستهدفة بشكل علني، في انتظار اتضاح الصورة لدى الممولين في القادم من الأشهر، وفي أفق حصول توافقات يبدو أن ظروفها لم تنضج بعد.
وبعيدا عن مناقشة الشروط السياسية والإعلامية التي سبقت خروج هذا المنتوج في هذا التوقيت بالضبط، وبصرف النظر عن الأسباب التي عجلت بعملية تهريب تصوير البرامج الموجهة للجمهور المغربي نحو قاهرة المعز،لأسباب سنعود إليها لاحقا وبشكل مفصل،يستدعي هذا المستجد السمعي البصري طرح الإشكاليات الحقيقية التي ترافق الدخول الفجائي لهذا المولود الإعلامي وآثاره الصحية والجانبية حاليا ومستقبيلا على مستوى الإنتاج الدرامي المحلي من جهة، وعلى مستوى كينونة القطب العمومي و العائدات الإشهارية من جهة ثانية.
إن مناقشة التأثير الأول المتعلق بتأثير ميلاد هذه القناة على الإنتاج الدرامي يفترض استحضار عناصر الشفافية في التعاطي مع مختلف شركات الإنتاج وفق آلية واضحة، كما تفرض مناقشة هذا التأثير تجميع المعطيات الدقيقة حول كلفة الإنتاج المقدم بالمقارنة مع إنتاجات القطب العمومي، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير الميزانية المخصصة للإنتاج الموجه لهذا القناة، على الشريحة المشتغلة في هذه الإنتاجات، دون نسيان الإشارة إلى نقطة أساسية تهم آليات تحصيل الضرائب والاستفادة من هذا الاسثتمار، إن جاز لنا أن نصف ما تحقق لحد الساعة استثمارا أو هروبا لهذا الاستثمار الملتبس.
إن عدم اتضاح الرؤية حول مدى حصول انتعاشة قانونية سليمة وشفافة للقطاع السمعي البصري في علاقة بميلاد القناة الجديدة،يحيلنا بالضرورة، على مناقشة التأثير الأهم لمحاولة أولية لاستنبات هذه القناة في البيئة المغربية بمشاكلها القطاعية المتعددة، وهو التأثير المتعلق بمس قوة و حقيقية وجود ومستقبل القطب العمومي وشريحته المستهدفة وبمس أهم وسائل تمويله، ألا وهي العائدات الإشهارية.
وإذا كان النقاش، قبل سنوات، اتجه نحو إلحاحية تفعيل وأجرأة، بشكل هيلكي ومؤسساتي، الرأي الاستشاري الذي سبق وأن رفعته الهيأة العليا للإتصال السمعي البصري في سنة 2006 لجلالة الملك حول أهمية خلق قطب عمومي قوي،فقد أصبح الأمر الآن أكثر جدية، بالنظر إلى المستجدات المحلية المتمثلة في خلق قناتين خاصتين( تيلي ماروك،شدى تي في) ومنح تراخيص قنوات مغربية خاصة جديدة لم ترى النور بعد، وبالنظر إلى ظهور قناة أجنبية( إم بي سي5) موجهة للجمهور المغربي، على اعتبار أن الحديث عن القطب فيما سبق، كان شكليا ، بحكم أن القطب كان متجمدا ولا ينافس إلا ذاته، وهذا أمر كان مقبولا ومستساغا، بالنظر لعدم تحرير القطاع االسمعي البصري بشكل عقلاني ، أما الآن فقد أصبح هذا القطب المفترض محاطا بقطببين، الأول داخلي والثاني خارحي، ولا مجال الآن للتردد أو التهاون في الانخراط في تنافسية أصبحت مفروضة ومصيرية.
هذه التنافسية الحتمية تحيلنا بالضرورة على أهمية هيكلة الإنتاج الداخلي للقطب ككل، وتطوير وتكثيف الإنتاج الخارجي المشترك أو الجاهز للبث،وفق مقتضيات المادتين 25 ,41 من دفتر تحملات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة،وإذا كان خلق هيكلة قطبية( سيما إنتاجية) لشركتي” صورياد دوزيم” وشركة” دار البريهي” أمرا صعبا حاليا، بالنظر إلى الوضعيتين القانونية والمالية المختلفين، في انتظار خلق نقاش حكومي جاد في الموضوع، إلا أن الأولوية أو الإجراء المستعجل الآن يجب أن ينصب نحو تقوية الإنتاجات الدرامية والحرص على مبدأ الجودة، وهذا ما تم الوعي بأهميته من خلال تخصيص السنة الماضية أكثر من 14 مليار سنتيم للإنتاج الدرامي للقناة الأولى والقناة الجهوية للعيون والقناة الأمازيغية، والاشتغال مع أكثر من أربعين شركة إنتاج السنة الماضية ، كما يستدعي هذا الطاريء تقوية التعاون مع الشركاء الآخرين، سيما شركات الإنتاج التي أكدت انخراطها في تقوية الإنتاج الوطني وتدعيم تنافسيته بدل نهج بعض الشركات سياسية انتهازية تحمل كثيرا من الالتباسات والمشاكل القانونية والأخلاقية.
وبعيدا عن هذا الهاجس الاعتباري المهم المتعلق بتقوية القطب العمومي ودوره الاستراتيجي على المدى البعيد،يعيدنا هذا المستجد لمناقشة تأثير هذه التنافسية على العائدات الإشهارية المستقبلية للقطب العمومي ،وهذا أهم عنصر في العملية، على اعتبار أن العائدات الإشهارية تشكل العنصر العضوي في ميزانية القناة الثانية وأساسا مصيريا في نموذجا الاقتصادي المهتز أصلا كما أبرز ذلك التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، كما تشكل هذه العائدات عنصرا حيويا بالنسية للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة في تقوية الاستثمار وإنعاش القطاع السمعي البصري والوفاء بالتزاماتها إزاء المتعهدين، باستحضار حيثيات تعليل الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري لعدم منح تراخيص قنوات خاصة في سنة 2009، حينما قال المجلس الأعلى للهيئة حينها إن “الترخيص لأي مشروع تلفزة وطنية جديد من شأنه، في الوقت الحالي، أن يؤدي إلى الإخلال بتوازن القطاع، وبالتالي، تهديد توازن المتعهدين السمعيين البصريين العموميين والخواص الحاليين، على المدى القصير، واستمراريتهم على المدى المتوسط
وفي ضوء هذا الواقع الجديد، يجد مسؤولو الإشهار في القطب العمومي أنفسهم أمام واقع جديد بمعطيات مستجدة ومستعجلة، تفرض بالأساس ودون تردد، أن يدافعوا عن مبدأ التنافسية مع باقي القنوات الخاصة الأجنبية أو المحلية، عبر الآليات الداخلية بما في ذلك لجان الانتقاء ومديريات الإنتاج والبرمجة والبث ، من خلال تقوية التعامل مع الشركات الخاصة الجادة والمسؤولة وعبر تعزيز حضور الشركات التي راهنت على قدرة القطب العمومي على التنافس دون التباس أو انتهازية طارئة أو مؤقتة، إذ من الصعب أخلاقيا أو عقلانيا أن يتم التعامل مع شركات إنتاج قدمت منتوجات لشركات أو قنوات منافسة لتقدم في شهر رمضان في نفس التوقيت وبنفس الوجوه، في ضرب صارخ لمبدأ التنافسية الشريفة، لأن القبول بهذا الأمر سيصبح عبثيا لدرجة يمكن أن تخلق رجة في المجال السمعي البصري ويجعل طرح السؤال حول أسباب فرض شركات في الشبكة الرمضانية المحلية تنافس ذاتها عبر قناة أخرى، أمرا ملحا وعاجلا.
هذه الانشغلات في مجملها، وإن بدت غير مستعجلة للبعض وأو قد تبدو لبعض آخر غير مؤثرة، إلا أنها تسائل بحدة أطرافا متعددة في القطب العمومي بما في ذلك لجان الانتقاء واللجان التقنية والمالية ومديريات الإنتاج والبرمجة والبث والإشهار التي يجب أن تتعامل بجدية وعقلانية مع الإنتاجات وشركات الإنتاج التي تحاول أن تحول القطب العمومي إلى معبر أو نافذة تطل من خلاله على عوالم تلفزيونية منافسة ، وتسائل بدرجة أكثر أهمية، المسؤولين المباشرين على القطب العمومي الذين يفترض أن يبلوروا عبر المجالس الإدارية استراتيجية واضحة ومستعجلة لتقوية الإنتاج المحلي بالانفتاح على باقي المتدخلين في عملية تمويل القطب العمومي والتسريع بتوقيع العقد البرنامج للشركة وإيجاد حلول مادية للقناة الثانية، أخذا بعين الاعتبار المستجات الحالية قبل فوات الأوان.

توفيق ناديري

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *