منظمات تراسل المفوضة السامية بشأن الوضعية المقلقة في تندوف وتتهم الجزائر و”البوليساريو” بالابتزاز السياسي
هشام افضيلي
راسلت مجموعة من المنظمات الحقوقية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان والتنمية، ميشال باشليت المفوضة الأممية السامية لحقوق الإنسان بشأن الوضعية الحقوقية المقلقة في تندوف.
مذكرة في افتتاح رسالتها وعلى أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في يوليوز 2018 قد عبرت عن قلقها إزاء قيام الجزائر بالتنازل عن اختصاصاتها القضائية لصالح جبهة “البوليساريو”، معتبرة هذه الخطوة منافية لالتزامات هذه الدولة الطرف بضمان احترام وحماية حقوق الإنسان لجميع الأشخاص المتواجدين فوق ترابها الوطني. كما سجلت هذه اللجنة انشغالها، أيضا، بخصوص عدم قدرة الصحراويين ضحايا خروقات حقوق الإنسان بمخيمات تندوف على الولوج إلى سبل الانتصاف والعدالة أمام محاكم الدولة الطرف .
وقد عبر أعضاء اللجنة المذكورة عن قلقهم إزاء اعتبار الجزائر أن ارتكاب أعمال، يعتقد أنها حدثت فوق ترابها، خارج ولايتها، وأنه يتعين على “البوليساريو” والمنظمات الدولية تسليط الضوء على هذه الادعاءات ومحاسبة المسؤولين.
مؤكدة على أن الأمر يتعلق بوضعية شاذة وضع بموجبها آلاف الأشخاص في عزلة تامة عن العالم الخارجي لما يزيد عن 45 سنة، وتركوا تحت رحمة فاعل غير حكومي أطبق قبضته عليها في ظل إفلات تام من العقاب، من خلال ميلشيات مسلحة تقترف كل أشكال الخروقات في حق ساكنة هشة معزولة ومسلوبة الارادة داخل رقعة خارج القانون .
وقد أفادت شهادات ناجين صحراويين عن وقوع آلاف الضحايا نتيجة الإعدامات الميدانية والإعدامات خارج نطاق القانون والاعتقالات التعسفية والاختفاءات القسرية، والتعذيب والاغتصاب التي طالت الرجال والنساء وحتى الأطفال، من طرف ميليشيات ترهن التمتع بالحقوق بالخضوع والانصياع السياسي والأيديولوجي الكامل.
إن الذرائع التي قدمتها الجزائر من أجل تبرير التخلي غير الشرعي عن اختصاصاتها القضائية مرفوضة قانونيا وغير مقبولة أخلاقيا أو إنسانيا، بالنظر إلى العناصر الآتية:
- طبقا للقانون الدولي، تقع مسؤولية ضمان احترام وحماية حقوق الإنسان على الدولة الطرف وليس على الفاعلين غير الحكوميين؛
- ميليشيات “البوليساريو” لا توفر أي ضمانات حقيقية ولا تستوفي الشروط اللازمة من أجل تحقيق العدالة لفائدة الضحايا وتوفير سبل انتصاف حقيقية وفعالة؛
- عدم توفر معطيات موثوقة وقابلة للتحقق منها حول ضمانات العدالة في هذا المجال الجغرافي المغلق، و لا يمكن معرفة أو تقييم السياسات القضائية والجنائية والسجنية أو آليات المراقبة والانتصاف، كما لا يتم تقديم أية معلومات عن آليات التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان وسوء المعاملة التي يتعرض لها المحتجزون بمخيمات تندوف، أو العقوبات المترتبة أو ظروف الاعتقال. على الرغم من لجوء “البوليساريو” المكثف إلى الدعاية في هذا الإطار.
- الجزائر لا تفصح عن أية معطيات بخصوص وضعية حقوق الإنسان بمخيمات تندوف على الرغم من تواجد هذه الأخيرة ضمن ولايتها القضائية؛
- عدم قدرة الضحايا و ذوي الحقوق على التقاضي أمام محاكم الجزائر، يجعل من هذه الأخيرة قوة احتجاز حقيقية، ضالعة وشريكة في الانتهاكات المرتكبة في حق الساكنة وليس مجرد بلد استقبال؛
- تجدر الإشارة إلى انه لم يسبق لأي من ذوي ولايات الإجراءات الخاصة الذين زاروا الجزائر أن قام بزيارة إلى المخيمات. كما يتم منع المنظمات الدولية المستقلة من الولوج إليها، ولا يتم السماح إلا لتلك التي تتبنى مواقف مساندة للجزائر و”البوليساريو”، علما أن تلك الزيارات يتم تأطيرها عن كثب.
وأضافت ذات المنظمات في نفس الرسالة على أن “البوليساريو”، تماما مثل عرابتها الجزائر، تعتمد نهجا متناقضا حيال مسألة حقوق الإنسان حيث توظفها لأهداف سياسية ولا ترى فيها سوى أداة للدعاية والضغط من أجل الترويج لمشروعها الانفصالي، ففي الوقت الذي تتبنيان خطابا دعائيا-تهجميا ضد المغرب وتروجان لادعاءات كاذبة حول الوضعية الحقوقية بالصحراء المغربية، تمتنعان، في مفارقة غريبة، عن الإدلاء بأبسط المعطيات حول وضعية الحقوقية في المخيمات.
فهل يجب علينا أن نؤمن بأن الجزائر و”البوليساريو” أكثر دراية منا نحن المنظمات غير الحكومية التي تتواجد و تنشط في الميدان وتعيش وسط الساكنة الصحراوية، بوضعية حقوق الإنسان في الصحراء المغربية ؟ وهل يعقل التسليم، بالمقابل، بتمتع الساكنة المحتجزة في مخيمات تندوف بجميع حقوقها و حرياتها ؟
ألا يعتبر مثيرا للشبهات أن تتطرق “البوليساريو”، و بإيعاز من محرضتها الجزائر لموضوع حقوق الإنسان، حصريا في الصحراء من أجل مهاجمة المغرب بشتى أشكال الافتراءات دون أي اشارة أو تقييم لوضعية حقوق الإنسان بمخيمات الصحراويين بتندوف؟
كل هذه العناصر تدل بشكل دامغ على أن تعامل الجزائر و”البوليساريو” مع مسألة حقوق الإنسان تحدده بالدرجة الأولى اعتبارات الدعاية والضغط السياسي في إطار النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.
واكدت ذات المنظمات على الطابع العادي لوضعية حقوق الإنسان بالصحراء المغربية والتي تبقى بلا شك قابلة للتحسين، ولكن الأكيد هو أننا نعمل في سياق واعد يتطور كما أننا نتوفر على مساحة من الحرية ينظمها إطار قانوني ومؤسساتي متطور وذو مصداقية.
إننا منخرطون في تفاعل وثيق وبناء مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، كمؤسسة وطنية متطابقة تماما مع مبادئ باريس، تتوفر على لجان جهوية تعمل على أرض الواقع وتواكب وتدعم عملنا من أجل تعزيز تمتع جميع المواطنين بحقوقهم، كما نثمن التجاوب الكبير لمخاطبينا من المسؤولين الوطنيين والمحليين والجهويين و إرادتهم الصادقة من أجل الارتقاء بحقوق الإنسان وحمايتها، على الرغم من بعض الإشكاليات الموضوعية والثغرات التي قد تقع أحيانا.
كما نتأسف لكون أطراف النزاع الأخرى لا تتوانى عن محاولة زعزعة استقرار أقاليمنا الجنوبية عبر التغرير بالشباب من أخواتنا وإخواننا و الدفع بهم إلى المواجهة العنيفة مع قوات الأمن، حتى يتسنى لهم توظيفها في حملات إعلامية دنيئة مستغلين في ذلك حرية التعبير و التنقل داخل وخارج أرض الوطن دون أية عراقيل التي يتمتع بها جميع الصحراويين ببلدهم المغرب.
واشارت ذات المنظمات الى ان المفوضة السامية قد وقفت على هذه الحقيقة، حيث سبق وأن قابلت مناصري “البوليساريو” في جنيف التي ياتون اليها بجوازات سفر مغربية وينظمون بها كما بباقي أنحاء العالم أنشطتهم المعادية للمملكة المغربية قبل أن يعودوا للمغرب دون التعرض لأي مضايقة وهنا وجب التساؤل عن عدد المعارضين من داخل مخيمات تندوف الذين أتيحت لهم فرصة لقائكم والعودة بعد ذلك إلى المخيمات؟
مشيرين الى أن الحقيقة على الأرض لا تقاس بحجم الدعاية ولا بتناسل الادعاءات التي يتم الترويج لها داخل الآليات الأممية لحقوق الإنسان من أجل التأثير، أو بالأحرى، تضليل الرأي العام.
لقد حان وقت الوساطة والمصالحة ولم شمل العائلات، ولهذه الغاية.
وعبرت ذات المنظمات في ختام رسالتهم عن دعمهم الكامل لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المغرب كحل كفيل بوضع حد لهذا الصراع المفتعل بين الأشقاء وضمان للكرامة والحرية للجميع.