3 نونبر 2024

مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني ومرصد العمل الحكومي يقدمان قراءة حول التضخم وارتفاع الاسعار

مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني ومرصد العمل الحكومي يقدمان قراءة حول التضخم وارتفاع الاسعار

وصل التضخم الى مستويات غير مسبوقة في المغرب، حيث انهى الاقتصاد المغربي سنة 2022 على وقع ارتفاع نسبة التضخم الى %6.6، و ارتفاع مؤشر اسعار المواد الغذائية ب%11 ، و هي ارقام و مؤشرات تبين الوضعية الصعبة التي يجتازها الاقتصاد الوطني، في ظل وضعية اقتصادية دولية متأزمة، تتميز بحالة الشك و اللايقين جراء الازمات المتعددة التي ضربت العالم و في مقدمتها جائحة كورونا و تبعاتها السلبية التي تحتاج الى سنوات طويلة للتعافي، بالإضافة الى الحرب الروسية الاوكرانية و تأثيراتها الهائلة على سلاسل التوريد و الانتاج العالمية و الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الطاقية و المواد الغذائية، هذا بالإضافة الى توالي مواسم الجفاف التي ضربت البلاد، وعدة عوامل ذاتية اخرى من قبيل الاحتكار و المضاربات التي زادت من استفحال الازمة و عمقت مستويات التضخم و ارتفاع الاسعار، مما ادى الى تأزم الوضعية الاجتماعية للمغاربة، و زاد من وضعية الهشاشة و الفقر، حيث اشارت ارقام المندوبية السامية للتخطيط الى ارتفاع عدد المغاربة الذين انظموا الى لائحة الفقر و الهشاشة ب 3 ملايين و 200 الف شخص اضافي، ما يمثل فقدان 7 سنوات من التقدم المحرز في جهود القضاء على الفقر و الهشاشة .

المحور الأول: تحليل الوضع الاقتصادي الدولي و الوطني والاجراءات الحكومية لمواجهة الازمة

  1. تحليل الوضع الاقتصادي الدولي و الوطني
    الوضعية الاقتصادية الدولية:
    يعيش الاقتصاد العالمي على وقع ازمات متعددة و متوالية ، ضربت مختلف دول العالم ، و ادت الى اختلالات عميقة في البنية الاقتصادية الدولية ، و حدت من النمو الاقتصادي العالمي و دفعته الى التراجع من 6.1% سنة 2021 الى 3.2% سنة 2022 ، مع ارتفاع نسب التضخم الى مستويات قياسية وصلت الى 8.8% سنة 2022 ، ادت الى تبني سياسات مالية مشددة مضادة للتضخم ، من المتوقع ان يكون لها تأثير مؤلم ، حيث من المتوقع ان يتراجع النمو العالمي الى 2.9% .
    وعانى الاقتصاد العالمي من تبعات جائحة كورونا و من اثارها المدمرة لعدد من القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية ، كما عاش الاقتصاد العالمي على وقع الضغوط الكبيرة التي ولدتها استعادة النشاط الاقتصادي الدولي لمرحلة ما بعد كورونا و تأثيراته على سلاسل التوريد و الانتاج العالمي ، هذا بالإضافة الى الحرب الروسية الاوكرانية و اثارها القوية على مختلف الاسواق و الاقتصادات العالمية ، خاصة فيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية و المواد الطاقية التي سجلت ارتفاعا غير مسبوق على الساحة الدولية ، حيث ارتفعت اسعار المواد الغذائية بنسية 14.3% سنة 2022 بسبب ارتفاع اسعار الطاقة والاسمدة ، كما تجاوزت اسعار النفط سقف 120 دولار للبرميل في فترات متعددة من سنة 2022 لتعاود الانخفاض بشكل مضطرد و غير ثابت لتصل الى عتبة 80 دولار للبرميل ، لكن في ظل حالة عدم الاستقرار و في ظل مجموعة من المخاطر المرتبطة بقرارات الاوبك بتخفيض الانتاج وقرارات الاتحاد الاوروبي بشان منع استيراد المنتجات الطاقية الروسية ، ما سينعكس بلا شك على أسعار النفط مجددا .

الوضعية الاقتصادية الوطنية :
من المؤكد ان الاقتصاد المغربي تأثر بشكل مباشر من الازمات العالمية ، التي كانت لها انعكاسات قاسية على ادائه و على ارتفاع نسبة التضخم و الاسعار، باعتبار الاعتماد الكبير للمغرب على الاستيراد لتلبية حاجياته من المواد الغذائية الاساسية و التبعية الطاقية للخارج ، حيث ارتفعت فاتورة مشتريات المغرب من الغداء من الخارج بنسبة 44.9% سنة 2022 لتصل الى 86.72 مليار درهم مقابل 59.86 في المئة سنة 2021 ، مدفوعة بارتفاع واردات القمح و الحبوب بسبب الجفاف و ارتفاع الاسعار على المستوى الدولي ، كما ارتفعت الفاتورة الطاقية لتصل الى 153.5 مليار درهم بزيادة قدرها 102% بالمقارنة مع سنة 2022 .
كما تأثر الاقتصاد المغربي من توالي سنوات الجفاف و انعكاساتها على انتاج المحاصيل ، حيث لم يتجاوز الانتاج الوطني من الحبوب في سنة 2022 ، 34 مليون طن بانخفاض قدره 67% ، وتأثير ذلك على نمو الناتج الداخلي الخام، و تبعاتها الاقتصادية و الاجتماعية القوية على مختلف المستويات، هذا بالإضافة الى التأثيرات المباشرة للركود الاقتصادي لمنطقة اليورو، التي تعتبر دولها الشريك الاقتصادي الأول للمملكة، و هو ما اثر بشكل مباشر على نمو الطلب الخارجي للمغرب واستفحال عجز الميزان التجاري الذي ارتفع بنسبة 56% سنة 2022 ، بالإضافة الى النمو الذي لم يتجاوز سنة 2022 نسبة 1.5% .

  1. الاجراءات الحكومية لمواجهة الازمة :
    عملت حكومة السيد اخنوش على القيام بمجموعة من التدخلات و الاجراءات للحد من تأثير التضخم على القدرة الشرائية للمواطنين و للحفاظ على استقرار اسعار مجموعة من المواد الاساسية ، وفق ثلاث مستويات ، مستوى اول متجسد في تقديم الدعم و مستوى ثاني ذو طبيعة نقدية، و مستوى ثالث ذو طبيعة ضريبية :
    المستوى الاول : الدعم
     الزيادة في مخصصات صندوق المقاصة من 16 مليار درهم الى 32 مليار درهم سنة 2022 ، و ذلك قصد الحفاظ على اسعار القمح و السكر و غاز البوتان في مستوياتها العادية .
     دعم المكتب الوطني للكهرباء و الماء الصالح للشرب ب 5 ملايير درهم للحفاظ على الاسعار و ضمان استمرار اداء مهامه ، في ظل ارتفاع تكلفة المواد الاولية التي يستعملها من 20 مليار درهم الى 40 مليار درهم .
     تقديم دعم مباشر لمهنيي النقل بقيمة 4 مليار و 236 مليون درهم على 9 دفعات ، قصد الحفاظ على اسعار النقل في المغرب في اثمانها العادية ، و محاولة تجنيب الاقتصاد الوطني الكلفة المرتفعة للنقل في ظل الارتفاع الكبير الذي شهدته اسعار الطاقة عالميا.
    المستوى الثاني: السياسة النقدية
     الرفع من سعر الفائدة المركزي بنقطة كاملة على مرحلتين لينتقل من 1.5 % الى 2.5 %، ذلك في افق التحكم في المعروض المالي داخل السوق الوطنية ، لتخفيف وطأة التضخم .
     شراء 15 مليار درهم من سندات الخزينة من السوق الثانوية.
    المستوى الثالث: التدخل الضريبي
     وقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على القمح اللين و مشتقاته .
     وقف استيفاء رسم الاستيراد على البذور الزيتية و الزيوت الخام.
     وقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الابقار الاليفة .
     تعليق الضريبة على القيمة المضافة على ورادات الابقار .
    المحور الثاني: ملاحظات مرصد العمل الحكومي
    في اطار متابعته المتواصلة و الدقيقة لمختلف تدخلات الحكومة فيما يتعلق بتدبير ازمة التضخم وارتفاع الاسعار، سجل المرصد الملاحظات التالية :
  2. عدم امتلاك الحكومة لأي رؤية فيما يتعلق بمعالجة و اصلاح الاختلالات البنيوية التي تعاني منها بنية و منظومة تموين الاسواق المغربية بمختلف المنتجات و المواد .
  3. غياب الارادة لدى الحكومة لمحاربة الاحتكار و المضاربة ، خاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية، رغم اقرار اعضائها و مكوناتها ، بوجودها و مسؤوليتها في تأزيم الوضع .
  4. امتناع الحكومة على معالجة إشكال الاحتكار فيما يتعلق بالمحروقات ، و تغاضيها عن التقارير الرسمية في هذا الصدد ، و خاصة التقرير الصادر عن مجلس المنافسة ، الذي اكد بشكل واضح على خضوع سوق المحروقات للاحتكار .
  5. غياب الرؤية الاستشرافية اللازمة في استباق ايجاد الحلول للازمات ، و التماطل غير المبرر لإيجاد الحلول المناسبة لمنع استفحال ازمة غلاء الاسعار خاصة فيما يتعلق المواد الغذائية المرتبطة بالمجال الفلاحي، حيث ان الازمة المتعلقة باللحوم و الحليب طرحت على طاولة الحكومة منذ اكثر من سنة، حيث عطلت الحكومة التوصل للحل الى ان استفحلت الازمة وطالت اثارها القدرة الشرائية للمواطنين.
  6. غياب اي تصور للإصلاح منظومة تسويق المنتجات الغذائية ، و مساراتها ، التي تشهد فوضى ريعية ، لا ينتج عنها الا بروز هوامش ربح متكررة سواء في مرحلة الانتاج ، او في مرحلة الوصل الى اسواق الجملة ، التي تعرف منظومة تدبيرها تغلغل الاستغلال الريعي للفضاءات والمناطق المخصصة للبيع داخلها ، و هو ما يزيد في استفحال ازمة غلاء الاسعار و يضرب القدرة الشرائية للمواطنين .
  7. تردد الحكومة في اعادة صياغة الخريطة الزراعية المغربية ، بما يتوافق و الحاجيات الاساسية للمغاربة من الزراعات الاستراتيجية ، المتعلقة اساسا بالحبوب و النباتات الزيتية ، بما يحصن الامن الغدائي المغربي ، في مقابل التشبث بالزراعات التسويقية التي تستهدف التصدير .
  8. التردد غير المبرر للحكومة في تسريع خطوات الانتقال الطافي نحو الطاقات المتجددة ، بما يضمن الامن الطافي المغربي، و يخفف من الفاتورة الطاقية المرتفعة، و يحصن الانتاج الوطني من التبعية الطاقية للخارج ، و يجنبه التقلبات الناتجة عن التوترات و الاختلالات التي تطرأ على اسواق الطاقة العالمية ، و انعكاساتها المباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين .
  9. ضعف التوجيه الضريبي للحكومة ، ليشمل تقوية القدرة الشرائية للمواطنين ، من خلال وقف استيفاء مجموعة من الضرائب التي تخضع لها مجمل المنتجات الغذائية الاساسية خلال مرحلة البيع ، خاصة في ظل الازمة الحالية .
  10. التوجيه غير المتكافئ للمخصصات المالية المتحصلة من المداخيل الضريبية الاستثنائية لسنة 2022 التي بلغت ازيد من 36 مليار درهم، في اتجاه القطاعات والفئات الاكثر قدرة على الصمود على حساب الفئات الهشة و الطبقات المتوسطة .
  11. غياب الزخم اللازم فيما يتعلق بالمراقبة و التتبع للأسواق الوطنية، و السهر على تجنب الزيادات غير المبررة في الاسعار و خاصة المواد الغذائية الاساسية .
  12. غياب الالية المؤسساتية لمراقبة مجلس المنافسة ، و تعطيل ادوارها بغياب النصوص التطبيقية المؤطرة لمجال تدخلها و عملها .
  13. ضعف التواصل الحكومي فيما يتعلق بالأزمة و طمأنة الراي العام الوطني، و ضبابية التفسيرات المقدمة من طرف الحكومة و اعضائها في هذا الصدد .

المحور الثالث: توصيات مرصد العمل الحكومي
من خلال قراءته للوضعية الاقتصادية الوطنية و متابعته لمجمل تدخلات الحكومة للتعامل مع الازمة، يقدم مرصد العمل الحكومي مجموعة من التوصيات، في بعدها الاني و المتوسط المدى قصد المساهمة في النقاش العمومي حول ازمة التضخم و غلاء الاسعار ، و قصد تقديم وجهة نظر مدنية يمكنها ان تساهم في تجاوز هذه الازمة و تبعاتها المؤلمة على القدرة الشرائية للشعب المغربي:
المدى الاني :
 تعزيز اليات مراقبة و تتبع حركية الاسواق الوطنية و تطور اسعار المواد الغذائية الاساسية ، من خلال اعادة توجيه الموارد البشرية للقطاعات المعنية ، نحو تعزيز التركيبة البشرية المكلفة بالمراقبة الميدانية .
 الايقاف المؤقت لاستخلاص عدد من الضرائب المتعلقة ببيع المواد الغذائية الاساسية موضوع ازمة غلاء الاسعار، و في مقدمتها الضريبة على القيمة المضافة ، خلال فترة الازمة الحالية .
 ايقاف العمل بالنظام الحالي لأسواق الجملة ، و تجنيب المستهلكين اداء الهوامش الربحية الريعية ، و فرض قواعد مؤقتة تلغي المكوس و الاتاوات الحالية .
 التفعيل الاني لأدوار مؤسسة مراقبة المنافسة ، و تطبيق القانون فيما يتعلق بالاحتكار الممارس من طرف شركات المحروقات .
 التسريع بإخراج المراسيم التطبيقية لقانون مجلس المنافسة .
المدى المتوسط:
 وضع نظام تسويق للمواد الغذائية ، بمسارات واضحة ، عبر خلق مؤسسة وطنية للتسويق تمكن المنتجين و المستهلكين ، من التوفر على معروض يستجيب للطلب الحقيقي دون الدخول في سلسلة المضاربات و الهوامش الربحية الريعية .
 الاصلاح الشامل للنظام القانوني لأسواق الجملة الذي يعود الى سنة 1962 ، بمعايير حديثة وبدفاتر تحملات واضحة ، تلغي اي امكانية لاستمرار الريع المشكل للنظام الحالي .
 الاستثمار في تمكين القطاع الخاص من انشاء منصات للتوزيع و التعبئة ، بشروط تنافسية واضحة .
 ضرورة وضع اليات حقيقية للتسويق الالكتروني ، تمكن المنتجين من توزيع منتجاتهم بما يضمن الفعالية و توافق العرض مع الطلب.
 تسريع الانتقال الطاقي نحو الطاقات المتجددة و استغلال الامكانات التي يتوفر عليها المغرب ، و التي تضعه بين 5 اول دول في العالم من حيث الانتاج الطاقي انطلاقا من الطاقات المتجددة، بما يمكن من تخفيف التبعية الطاقية و يخفف من الفاتورة الطاقية .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *