لنجرب حياة بلا تحكم ولا انتقال ديمقراطي ! 2/2
عبد الحميد جماهري
4 – في قاموس الانتقال الديمقراطي ما استوجب استدعاء مأزق المنهجية الديمقراطية: وهذه التسمية لم تكن تجريبا ناجحا في اللغة السياسية، ولا كانت شحنة بلاغية لقاموس يريد أن يخرج من التكرار المدرسي، بقدر ما كانت المقولة الأساسية لتسمية وضع سياسي ودستوري طارئ ، ما بين صلاحيات دستورية( الفصل 24 في دستور 1996) ونوازع سياسية في السلطة، أي بين ما يتيحه الدستور وما……. تمنعه الديمقراطية!
لهذا كانت لها قوتها في المغرب، وكانت لها مغربيتها الخاصة بها، من حيث تطور النظام السياسي..
اليوم نحن نعيش بالضبط أحد مآزق الإصلاح الهرمي، الإصلاح الذي تبادر فيه القوة المركزية “بتحكميتها” في إدارة القلق الذي نجم عن2011 . والحال أنه كان من الممكن أن يتقدم في 2010 بما تقدم به تحت نيران التاريخ الملتهب للمنطقة.. في تجاوب مع مذكرة 2009… الفريدة واليتيمة الخ ….
إذن نحن لا نعيش معضلة تتجاوز الزمان والمكان، ويمكنها أن تتخذ أي شكل ممكن، نحن أمام إحدى مآزق الإصلاح الهرمي:
أولها: لا وجود لقوة عميقة تنتسب لتيار واحد …يمكنها أن تتبنى الإصلاح الصاعد من العمق لوحدها ، إذ تحت يافطة الملكية البرلمانية استطاع التطور أن يحقق موجته من “العدل” إلى “النهج” مرورا بكل الطيف الإصلاحي باستثناء من استثنى نفسه.
ثانيها: ضعف مسايرة الهبة الإصلاحية يجعل من المنطقي أن نسأل:هل للقوة السياسية التي لم تبادر إلى المطالبة بالإصلاح أو دعمه في الشارع ما يكفي من القوة الشرعية لكي تطلب من بادر به هرميا بأن يؤوِّله لفائدتها؟
5 – الانتقال لا ينتهي أحيانا حتى بتحقق الديمقراطية! نعم، والتجربة الاسبانية أمامنا. وقد سبق للعبد الضعيف لربه أن كتب في مقالة سابقة ما يلي:” في اسبانيا هناك حديث فعلي عن ما بعد “اسبانيا الانتقال”، وتآكلها، وتعتبر كتابات سياسية متأنية وجادة ، (من قبيل ما كتبه اسحق روثا في يومية “لوموند” الصادرة في 28 يونيو)، تتحدث عن ما بعد الانتقال الأول، ولكن أيضا عن عيوب الانتقال الذي تودعه، ومنها 40 سنة من الدكتاتورية إضافة إلى نقط الضعف الكامنة في الانتقال نفسه.
يمكن، من باب المبالغة الحديث عن 40 سنة من السلطوية التي ميزت الحقل السياسي والحديث عن الفعالية عوض قوة التمثيلية الشعبية والسعي إلى الحداثة على حساب الديمقراطية، كعناصر تعطيل الانتقال ، إضافة إلى ما سام الانتقال نفسه من عيوب، والتي زاد الفساد الإداري والمجتمعي من تراكمها..كما يمكن الحديث عن “دورة تجريبية في الانتقال المغربي” بسبب تجديد إشكالاته مع صعود قوى الإسلام السياسي وتغيير إبدالاته أي من البحث عن تراكم الإصلاح إلى السعي إلى تراكم .. الثقة!
لقد تحررت المنهجية الديمقراطية بدخولها الدستور، في سنة 2011، ولم يعد من المقبول بتاتا التراجع عنها، كما تحقق التلازم بين ما يريده الدستور وما تريده الديمقراطية في التعيين من الحزب الأول في الانتخابات!
6 – التحكم في تقدير عبد الإله بنكيران هو التعبير عن سلطة المحيط الملكي، وقد سبق له أن أوضح ذلك بالقول “كفانا من الوساطة”، نريد لقاء مباشرا مع الشعب، والتحكم هو أيضا امتدادات المحيط الملكي في الدائرة الخاصة بقوة القرار..
لهذا سبق أن طرح ضرورة العمل في الشرعية من أجل “تطهير محيط إمارة المومنين” من كل عناصر التغريب والماركسية والعلمانية..
وقد طرح هذا قبل دخوله الشرعية وقبل دخوله الانتخابات ،وقبل دخوله المؤسسات، وبالتالي فالحرب سابقة عن السيادة الشعبية وعن الانتخابات وعن الشعب…!
إننا في قلب فهمه لدور نظام الحكم ، كما يفهمه هو نفسه!
وقد سبق له أن قال “حتى إذا أراد الملك أو رئيس الدولة أن تسير الأمور في الاتجاه الصحيح، هناك احتمال كبير ألا يكون ذلك ممكنا. أدركنا أن النخبة التي أمسكت زمام السلطة بعد الحماية هي نخبة تم أهم جزء من تكوينها في أوروبا وأن رؤيتها للأمور أكثر غربية( حوار في كتاب الإسلام السياسي صوت الجنوب أجراه مؤلفه فرانسوا بورجا مع الأستاذ عبد الإله بنكيران )” وطبعا لن تستقيم الأمور مع هذه النخبة، التي سبق أن تعرضت للقصف من لدن أحمد الريسوني، حتى أنه قال “تغلغل الإلحاد في الدولة”..!
7 – لا يمكن أن نعفي أنفسنا من ضرورة بناء الشرعية.. في التحليل من خلال بناء القاموس السياسي الخاص بالتجربة، لكنه في نهاية المطاف لا يعني استثناء دائما.
ستكون الحالة المغربية استثناء في الدائرة العربية الإسلامية، وهي المقصودة بالمقارنة،عندما لن تكون استثناء في المنظومة الديمقراطية وضمن المنتظم الديمقراطي كما هو متعارف عليه عالميا.. وبهذا المعنى فلن يحصل هذا الاستثناء الأصيل بدون حصول انتقال ديمقراطي..كامل…
صحيح ، لا بد لهذا النجاح من وجود شرعيات للبناء، لا بد من أن نسأل :هل هناك “عقلانية ديمقراطية” ، يمكنها أن تفسر الانتقالات كما تحصل، وهنا لا بد من أن تخضع التجربة لمحك النموذج أي يخوض كل بلد تجربته في الانتقال على أن تفضي في النهاية إلى نتيجة بدهية هي “وجود سلط تنفيذية وتشريعية وقضائية ناجمة عن الديمقراطية الجديدة ولا تقتسم السلطة مع أي جسم قانوني آخر”.. كبنية دالة على المفهوم !
8 – لقد وضعنا الأستاذ محمد جبرون في منطقة خلاء no mans land بين التحكم والانتقال الديمقراطي، ودعانا إلى ترقب تحولات المغرب في أن تحدث طفرة تاريخية منتظرة، لا تخلو من قليل من المهدوية المبشرة، بالنظام الاستثنائي.. لكن من المحقق أن الأستاذ جبرون يحاول أن يُفَعِّل العقل السياسي في معضلة مغربية، بمعادلة مغربية، تسير نحو الاستعصاء إذا ما نحن قاربناها بشبكة قراءة .. غير قاموس الانتقال الديمقراطي!