في الذكرى الثانية لرحيله… اتحاديون يستحضرون الوصية الأخيرة لأحمد الزايدي
“غْبتِي مْعَ غروب الشمس هي اليوم شْرْقَات وُفِينْ اَنْوَارْكْ أنْتَ، رْحْتِي مْعَ فْرَاكْ لَطيَـــــارْ هي اليوم غْنّـــاتْ وفين ألحَانْكْ أنت، صْلتِي فْ إيَّام الرّبِيــــعْ هو اليوم خْضْـــرْ وفين ازْهاَرْكْ أنت، رحتي مع فْجْر العِيـــــــدْ هو اليوم عـَـــلاّمْ وفين عِيدْكْ أنت، رحتي مع ميَاهْ العِيــــــنْ هي سـَـــارْت وَادْ وفين وَادْكْ أنت، رحتي بحال طير جريــح هو صـــَـابْ دْوَاهْ وفين دْوَاكْ أنت، إلى كان مَلْقَاكْ فْالغِيبْ مْقَدّرْ نَصْبَرْ، اصَبْرِي فَاتْ العَادْة . . .آمَا دْرَى يَا لِيَّامْ . . . وَاشْ اللّقَاءْ قْريبْ رَاهْ القَلْبْ مْكَدّضرْ”
لقد فقد المغرب قبل سنتين وتحديدا في مثل هذا التاريخ أحمد الزايدي، رجل من طينة الكبار ومن عظماء هذا الوطن اعتبرت جنازته ثاني أكبر جنازة في تاريخ الاتحاد الاشتراكي حضرها الآلاف بعد جنازة الراحل عبد الرحيم بوعبيد الذي تتلمذ “السي أحمد” على يديه.
إعداد: “المغربي اليوم”
رحل أحمد الزايدي، أو “السي أحمد” كما يناديه رفاقه على غفلة منا واصطفاه الله ليكون بجانب شهداء هذا الوطن لقول النبي صلى الله عليه وسلم “القتل في سبيل الله شهادة، والطاعون شهادة، والبطن شهادة والغرق شهادة والنفساء شهادة”، إن فكرة الموت بمقدار ما هي مؤلمة، مأسوية، تراجيدية، وبمقدار ما هي سلبية، هي فكرة إيجابية، باعتبارها نشوة خلاص وبداية حياة لرجل يعرف جيدا معنى الرقي والتحضر ما الموت في الحقيقة إلا ذلك العريّ للمطلق، للصمت الذي يقول أشياءه الحقيقية عن “السي أحمد” الذي كان يمارس العمل السياسي بأخلاق سامية وفاء لفكرة الزعيم عبد الرحيم بوعبيد “لا سياسة بدون أخلاق”.
ولد “السي أحمد”، الأب الحنون والعطوف على أربعة أبناء، بمدينة بوزنيقة سنة 1953، وتابع دراسته في ثانوية مولاي يوسف بالرباط، ثم التحق بعد ذلك بجامعة محمد الخامس، وبعدها بكلية الحقوق بالجزائر العاصمة وبعد أن قضى تجربة قصيرة بسلك المحاماة، انتقل “السي أحمد” لصفوف مهنة المتاعب، بحيث اشتغل بالإذاعة والتلفزة المغربية ابتداء من سنة 1974، تخللها تفرغ من أجل استكمال تكوين عال في الصحافة بالمركز الفرنسي لتكوين واستكمال تكوين الصحفيين بباريس، ليعود مجددا لمتابعة المشوار حيث حقق مكاسب مهنية أهلته لتسيير قسم الأخبار إذ احتكر الشاشة الصغيرة المغربية في ساعة ذروة المشاهدة لمدة حوالي 20 سنة كرئيس تحرير مركزي ومقدم للنشرة الإخبارية الرئيسية في التلفزيون العمومي. وبصفته الصحفية هاته أسس أحمد الزايدي نادي الصحافة بالمغرب.
لم تقف مسيرة أحمد الزايدي، المليئة بالعطاء عند هذا الحد بعد انخراطه في المجال السياسي لكون الراحل كان يعرف بأن كل شيء يبتدأ وينتهي إلى السياسة التحق في البدء بالكتابة الإقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالرباط، وخاض غمار الانتخابات الجماعية لسنة 1976 كأصغر مرشح باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في إحدى الجماعات القروية ببوزنيقة، وهي الانتخابات التي أخرجت أهالي بوزنيقة للشوارع بعد تزوير النتائج في محاولة لسحب المقعد من الراحل وبعدها ولج المرحوم الزايدي المؤسسة التشريعية سنة 1993، وتولى من شهر أكتوبر سنة 2007 إلى منتصف السنة الجارية مسؤولية رئاسة الفريق الاشتراكي بمجلس النواب إلى جانب إنجازات أخرى حققها الرجل في المجال السياسي داخل حزبه وخدمة لوطنه وليس المجال للخوض في الصراعات الحزبية التي كان ضحية لها لأنه رحمه الله لو كان حيا لما فضل الوقوف عنها لأنه كان رجلا يحب الوحدة وضد التشرذم والانقسام ويفضل مصلحة الوطن وحزبه حتى عن نفسه وهي الشهادات التي ينطق بها كل من عرف “السي أحمد” عن قرب عائلتك الصغيرة قبل الكبيرة تفتقدك بوزنيقة تفتقدك حزبك يفتقدك البرلمان يفتقدك وطنك يفتقدك وإلى لقاء قريب “السي أحمد” وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الوصية الأخيرة لأحمد الزايدي
حتى لا يسجل في تاريخي أنني ساهمت في تعميق الشروخ في جسم الحزب
أستأذنكم بالتخلي عن رئاسة الفريق الاشتراكي
أتوجه إليكم عبر هذه السطور، وأنا أشعر بكوني أقوم بعملية تمرد ظالمة ضد نفسي في مواجهة عبء أخلاقي وسياسي عشته للحظات منقسما بين ما اعتبرته دوما واجبا يستحق المقاومة والصمود ضد كل مظاهر الانحراف و الانزلاقات داخل مؤسسات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وما يعتبره البعض إساءة لصورة الحزب وقيادته بل وما يعتبره آخرون، سامحهم الله، صراعا من أجل مواقع أو مكاسب.
اليوم الأمر يتعلق بما أصبح يعرف بأزمة رئاسة الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، والتي شكلت لأيام الموضوع الرئيسي في الصحافة الوطنية واهتمامات المتتبعين، وللأسف أصبحت مقرونة – عن باطل – بما بات يعرف بعرقلة سير عمل مجلس النواب، مع أن العكس هو الصحيح إذ لو طبق مجلس النواب القانون لساهم في حل الإشكال بدل الانحياز لطرف ضد آخر.
دعوني، أيتها الأخوات والإخوة، أقول لكم بأن أزمة الفريق الاشتراكي ليست صراعا شخصيا بين الكاتب الأول ورئيس الفريق، كما أن الموضوع لا يرقى بالتأكيد إلى مستوى التنافس على منصب مغري أو امتياز أو ريع. إن الأمر يتعلق بخلاف فكري ومنهجية التدبير السياسي والتعامل مع السياسة في مفهومها النبيل بين أسلوب العراك السياسي، وأسلوب الإقناع السياسي، والتحكم في الملفات ومقارعة الحجة بالحجة … بين منطق الفريق البرلماني المالك لاستقلالية القرار والمؤمن بالحوار والإقناع مع قيادته، وبين منطق الفريق الذي يراد له أن يكون مجرد مطبق مطيع للتعليمات أو ما يعبر عنه بالتوجهات الحزبية.
أستطيع أن أستمر في كتابة صفحات وصفحات عن هذه الإشكالية، لكني أكتفي بالتذكير فقط، تجنبا لنشر غسيلنا، أكتفي بالتذكير في هذا اليوم وأنا معتز بكوني ترأست فريقا يضم بين صفوفه خيرة الأطر من النائبات والنواب الذين ساعدوني في الدفاع عن استقلالية وكرامة الفريق وأداء رسالته بصدق وأمانة، فإليهم جميعا أتوجه بأخلص عبارات الامتنان والعرفان.
هذه المجموعة آزرتني أيضا، وبسمو، في المواقف وأنا أترشح لتجديد رئاسة الفريق لما تبقى من الولاية التشريعية الحالية وعبرت بصمودها في وجه كل المضايقات عن أسمى معاني الوفاء والتشبث بالمشروعية عن الكرامة بنبل و وفاء، واختارت الاقتراع الحر والديمقراطية منهجية لاختيار أجهزة الفريق وممثليه في أجهزة المجلس، بدل منهجية التعيين المتقادمة.
اليوم وملف ترشيحي وانتخابي قانونيا وسياسيا ومهنيا مقبولا، بل ومؤازرا بكل زملائي وزميلاتي مسؤولي الفرق في المعارضة والأغلبية ـ اليوم وأنا أتوجه لكل هؤلاء بالشكر والعرفان ـ متجاهلا بعض من باعوا ضمائرهم، اليوم وأنا اعتز بكوني حافظت للفريق الاشتراكي على مكانته المحترمة، رغم صعوبات المرحلة وتداعيات التراجع السياسي، اليوم وأنا اعتز بكوني أعطيت للخطاب الاتحادي وعلى مدى سنوات نبله السياسي وقوته الفكرية ومدلوله الاشتراكي … اليوم أسائل نفسي عن قيمة المسؤولية التي سأتحملها من جديد، والبيت الاتحادي يحترق بصدامات تحولت إلى تصفية حسابات شخصية، وعن قيمة مساهمتي وقد أصبح البيت الاتحادي مجالا للصراعات البعيدة كل البعد عن الأخلاق الاتحادية.
لقد تربيت في مدرسة الاتحاد ومدرسة الأخلاق والفضيلة ونكران الذات وسأبقى وفيا لمبادئ الاتحاد وقيمه. ربما لم يفهم قصدي بعض الأخوات والإخوة في الأجهزة الحزبية أو ربما لم أتمكن من شرح وجهة نظري، لكني أؤكد للجميع أن هاجسي ظل دوما هو الدفاع عن المشروعية ومناهضة الإقصاء والدفاع عن استقلالية القرار الحزبي والدود عن قيم الاتحاد ومبادئه، أؤكد للجميع مشاعر التقدير والاحترام لكل الاتحاديات والاتحاديين الشرفاء مشددا على أنني سأبقى مدافعا عن الاتحاد وقيمه، مهما كلفني ذلك من ثمن .
الأخوات والاخوة،
لقد أصبحت أشعر بالألم العميق وأنا أرى اختلافا فكريا وثقافيا يتحول إلى صراع شخصي. أتألم للصورة التي أصبحت تنقل عن الاتحاد جراء تطاحن انحدر أحيانا إلى مستوى تفاهات في وقت ينتظر منا الوطن والمواطنين أشياء أسمى وأرقى، تطاحن قد يعصف بمستقبل الحزب إذا لم يتحمل المناضلات والمناضلون مسؤوليتهم.
أصبحت أسائل نفسي كل صباح ما معنى أن يكون الإنسان مؤمنا بنبل الرسالة ومتجاهلا في ذات الوقت لرافعاتها الثقافية والسياسية.
عذرا لكم، أصدقائي وزملائي النائبات والنواب، وأنا أتخذ هذا القرار الانفرادي دون أن استشيركم.
لقد قررت التخلي عن رئاسة الفريق الاشتراكي بعد أن اختارتني الأغلبية الساحقة من أعضائه لهذه المهمة، شعورا مني بخطورة الوضع، وقد أصبحنا على أبواب فريقين وأصبح الحزب مهددا بالانقسام وهو ما لن أسمح بأن يكتب في تاريخي ولن أساهم في أي عمل يمس وحدة الحزب وكيانه.
وانطلاقا من نفس القناعات فإن الأخوين عبد العالي دومو وسعيد شبعتو اللذين رشحهم الفريق على التوالي لمنصب نائب رئيس مجلس النواب ورئيس اللجنة القطاعية الدائمة التي تعود للفريق رئاستها، قرر سحب ترشيحهما
أعرف بأنني أتخذ قرار جائرا ضد نفسي وضد أصدقائي لكن عذري أنه قرار يهون أمام نبل المسؤولية التي أشعر بها علما بأن التاريخ سيسجل لكل مواقفه.
أحمد الزايدي