فاضلة الكادي: أيقونة التطريز المغربي بين الحرفية والابتكار

تمثل فاضلة الكادي رمزًا فريدًا يجمع بين أصالة التراث المغربي وحداثة التصميم في عالم الأزياء. وُلدت في مدينة سلا العريقة، حيث تشبّعت بروح الحرف اليدوية التي لطالما ميّزت الصناعة التقليدية المغربية. من هناك، بدأت رحلتها في فن التطريز، الذي استطاعت أن ترتقي به من ورش الحرفيين إلى منصات العرض العالمية، مقدمة إبداعًا يمزج بين التقاليد والابتكار.
حصلت فاضلة الكادي مؤخرًا على وسام ضابط الفنون والآداب من الجمهورية الفرنسية، تكريمًا لمسيرتها وإسهاماتها في الترويج للتراث المغربي عالميًا. لكن عملها لا يقتصر فقط على تصميم الأزياء، إذ تكرّس جزءًا كبيرًا من وقتها للحفاظ على هذا الفن العريق من خلال مؤسستها ومدرسة التطريز في سلا، التي أنشأتها عام 2016، بهدف نقل هذا الإرث للأجيال الجديدة، خصوصًا الشباب من الأوساط البسيطة.
استطاعت تصاميمها أن تأسر قلوب شخصيات عالمية مرموقة مثل إيفانكا ترامب، وليا سلامة، وباربرا سترايسند، وصاحبة السمو الملكي الأميرة لالة حسناء، ما يعكس مدى الإبداع الذي تحمله في تصاميمها، وقدرتها على تجاوز الحدود وتحويل التراث المغربي إلى فن عالمي راقٍ.
في هذا الحوار، تفتح لنا فاضلة الكادي قلبها، متحدثة عن شغفها، مسيرتها، ورؤيتها للحفاظ على التطريز المغربي وتحديثه بما يتماشى مع روح العصر.
شغف الطفولة يتحول إلى مسيرة إبداعية
تتذكر فاضلة الكادي كيف كان من المعتاد في طفولتها إرسال الفتيات خلال الصيف إلى ورش الحرفيين لتعلّم مهارات يدوية مثل التطريز، النسيج، والخياطة. وتقول: “من هنا وُلد شغفي بالتطريز، وأدركتُ أن هذا الفن أكثر من مجرد مهنة، بل هو هوية وثقافة يجب الحفاظ عليها.”
ورغم أنها شقّت طريقها في مجال يهيمن عليه الرجال، إلا أنها استطاعت إثبات نفسها بفضل مثابرتها وإصرارها على تحقيق رؤيتها. في البداية، لم يكن من السهل أن يتقبل الحرفيون توجيهاتها، لكنها تمكنت مع مرور الوقت من كسب ثقتهم وإقناعهم بأسلوبها المبتكر في إعادة إحياء فن التطريز التقليدي.
التوازن بين التراث والحداثة
تمكنت فاضلة الكادي من تحقيق تناغم مثالي بين الحرفية التقليدية والابتكار المعاصر، حيث تعيد تفسير فن التطريز المغربي بلمسة حديثة. توضح قائلة: “إيجاد هذا التوازن يأتي من الاحترام العميق للتاريخ، مع الحرص على تقديم رؤية جديدة من خلال دمج التطريز مع خطوط حديثة ومواد مبتكرة.”
وقد سمح لها هذا النهج بابتكار قطع تجمع بين الأصالة والحداثة، مما جعلها تحظى بتقدير عالمي وترسّخ مكانة الموضة المغربية على الساحة الدولية.
تكريم عالمي ومسؤولية ثقافية
يعدّ حصولها على وسام ضابط الفنون والآداب من الجمهورية الفرنسية محطة بارزة في مسيرتها، حيث تعتبره اعترافًا ليس فقط بعملها، ولكن أيضًا بأهمية الحرف التقليدية كوسيلة للتعبير الثقافي والفني. وعن هذا التكريم تقول: “هذه الجائزة تذكّرني بالمسؤولية التي أحملها، بضرورة مواصلة الابتكار، ولكن الأهم من ذلك، الحفاظ على فن التطريز التقليدي المغربي ونقله للأجيال القادمة.”
التزامها بتكوين الجيل الجديد
لا يتوقف طموح فاضلة الكادي عند تصميم الأزياء، بل يمتد إلى تكوين الشباب عبر مدرستها للتطريز في سلا، حيث تسعى إلى غرس حب الحرف اليدوية في الجيل الجديد، وتمكينهم من الاستفادة من هذا الإرث كمصدر دخل واستقرار مهني.
وتؤكد: “من الضروري أن نوضح للشباب أن الحرف اليدوية ليست فقط شيئًا يجب الحفاظ عليه، بل يمكن أن تكون مصدرًا للابتكار والفخر، بل وحتى مجالًا للإبداع المعاصر الذي يجذب الأسواق العالمية.”
مستقبل الموضة المغربية عالميًا
ترى فاضلة الكادي أن الموضة المغربية تزداد حضورًا على الساحة الدولية، بفضل مزيجها الفريد بين الأصالة والحداثة. وعن رؤيتها لمستقبل الأزياء المغربية، تقول: “إذا استطعنا تسليط الضوء على تراثنا وتكييفه مع الاتجاهات العالمية، فإن الموضة المغربية ستواصل التألق عالميًا بفضل إبداعها الفريد وحرفيتها الاستثنائية.”
لحظات مميزة وشخصيات عالمية
من بين اللقاءات التي تركت أثرًا عميقًا في مسيرتها، تذكر فاضلة الكادي لقاءها مع الشيخة موزا، حيث تصفها قائلة: “لم تكن فقط رمزًا للأناقة والموضة، بل كانت مثالًا للرقي والكرم الإنساني.”
تقدير الحرف التقليدية: واقع أم تحدٍ؟
تشهد السنوات الأخيرة تحسنًا في تقدير الحرف التقليدية، حيث بدأ الناس يدركون قيمتها الفنية وأهميتها في الحفاظ على الهوية الثقافية. ومع ذلك، ترى فاضلة الكادي أن هذا الاعتراف لا يزال في مراحله الأولى، ويحتاج إلى دعم مستمر لضمان استمرارية هذه الفنون وتطويرها بشكل أكبر.
نصيحة للمصممين الشباب
بالنسبة للشباب الراغبين في دخول عالم الأزياء، تنصحهم فاضلة الكادي بـ:
“عدم الاستسلام، الإيمان برؤيتهم الخاصة، والتحلي بالصبر والإصرار. النجاح ممكن، لكنه يحتاج إلى الوقت والمثابرة.”
مشاريع مستقبلية مليئة بالإبداع
رغم كل الإنجازات، لا تزال فاضلة الكادي مليئة بالشغف والإبداع، وتكشف عن بعض مشاريعها المستقبلية قائلة:
“دائمًا هناك شيء جديد أعمل عليه… حاليًا، أعمل على كتاب جديد، بالإضافة إلى مجموعة جديدة خاصة بالرجال.”
تمثل فاضلة الكادي نموذجًا للمصممة التي استطاعت أن تجمع بين التراث المغربي والموضة المعاصرة، لتقدم للعالم قطعًا تحمل روح التاريخ ولمسة الحداثة. من خلال التزامها بالحفاظ على التطريز التقليدي، وتكوين الأجيال الجديدة، تستمر في إرساء بصمتها كواحدة من أبرز رموز الأزياء المغربية عالميًا.