17 شتنبر 2025

سيدي كاوكي بين مؤهلات طبيعية واختلالات تنموية… من يستفيد من خيرات الجماعة؟”

سيدي كاوكي بين مؤهلات طبيعية واختلالات تنموية… من يستفيد من خيرات الجماعة؟”

 

 

في جنوب إقليم الصويرة، تقع جماعة سيدي كاوكي، التي تجمع بين سحر الطبيعة وتناقضات الواقع. رغم ما تزخر به من مناظر ساحلية فريدة وتضاريس متنوعة، تبقى هذه الجماعة القروية حبيسة اختلالات تنموية مزمنة، يتصدرها غياب البنيات التحتية وندرة فرص العمل، مما يجعل سكانها، وخصوصاً الشباب، مضطرين إلى مغادرة المنطقة بحثاً عن ظروف عيش أفضل في المدن الكبرى.
يُعد شاطئ سيدي كاوكي من أبرز المعالم الطبيعية بالجهة، إذ يجذب الزوار من داخل وخارج المغرب، بمن فيهم محترفو الرياضات البحرية. ومع ذلك، فإن البنية الأساسية الهشة وافتقار المرافق الحيوية في الدواوير والمركز، تضع الجماعة أمام واقع تنموي صعب، رغم الإمكانات الواعدة التي تختزنها، سواء على المستوى البيئي أو البشري.
عدد السكان لا يتجاوز 4300 نسمة حسب آخر إحصاء، من بينهم عدد من الأجانب الذين اختاروا الإقامة في المنطقة لجاذبيتها الطبيعية. لكن ارتفاع نسبة البطالة وغياب البنيات الصحية والتعليمية يدفع بالكثير من الأسر إلى الشعور بالإقصاء. كما يعاني التلاميذ من ظاهرة التسرب المدرسي، مما يزيد من حدة الإحساس بالتهميش.
في هذا السياق، عبّر نشطاء محليون وجمعيون عن استيائهم من التفاوت في توزيع الموارد والمشاريع، مؤكدين أن الجماعة تزخر بثروات طبيعية، مثل شجر الأركان، وصناعات تقليدية كالنقش على خشب العرعار، التي تستحق الدعم والتثمين. هؤلاء الفاعلون دعوا السلطات إلى التدخل العاجل من أجل دعم التعليم والصحة، وتحسين ظروف العيش، وضمان الاستفادة العادلة من فرص التنمية.
في محاولة لتحريك عجلة الاستثمار، بادرت السلطات الإقليمية إلى تخصيص مساحات من العقار الغابوي لصالح مشاريع سياحية خاصة داخل تراب الجماعة، وهي خطوة أثارت جدلاً واسعاً، خصوصاً بعد تداول معلومات حول استفادة عدد محدود من المستثمرين، دون الإعلان عن المنافسة بشكل علني.
رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، طالب بالكشف عن ظروف تفويت هذه الأراضي، التي بلغت مساحتها حوالي 50 هكتاراً، معبّراً عن قلقه من اقتصار العملية على ثمانية مستفيدين فقط، بعضهم يرتبط بعلاقات نافذة. وشدد على ضرورة احترام معايير الشفافية وتكافؤ الفرص، مع التأكد من مطابقة هذا التفويت لمقتضيات القانون.
من جانبهم، عبّر مستثمرون محليون عن تذمرهم من إقصاء ملفاتهم، مؤكدين أنهم تقدموا منذ سنوات بطلبات من أجل إنشاء مشاريع سياحية بالمنطقة، لكنهم واجهوا عراقيل إدارية وصمت غير مبرر. وقال أحدهم إن هذا التمييز يُعتبر ضرباً للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، وناشد الملك محمد السادس للتدخل وإنصافهم.
في المقابل، أوضحت المديرية الجهوية للمياه والغابات أن تعبئة هذه الأراضي تمت في إطار مسطرة قانونية واضحة، تحت إشراف لجنة موسعة تضم مختلف الفاعلين، ووفقاً لما ينص عليه القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار. وأكدت أن هذه العملية استجابت لطلبات متعددة من مستثمرين راغبين في إطلاق مشاريع سياحية بالمنطقة.
أشارت المديرية أيضاً إلى أن العقارات المخصصة تم تحديدها كمجال مناسب للاستثمار السياحي، في إطار عملية اختيار دقيقة، تعتمد على نوع المشروع وطبيعته، إما عبر نظام الاحتلال المؤقت أو المقايضة العقارية، مع الالتزام بكافة الضوابط القانونية والتنظيمية المعمول بها.
وفي سياق متصل، نظمت الغرفة الفرنسية للتجارة والصناعة بالمغرب، بشراكة مع عمالة إقليم الصويرة، يوماً اقتصادياً حضره فاعلون من القطاعين العام والخاص، حيث تم تقديم معطيات دقيقة حول مؤهلات المنطقة، والإمكانات التي يمكن استثمارها في مجالات متعددة.
عامل الإقليم، عادل المالكي، أكد خلال هذا اللقاء أن الصويرة تعرف دينامية جديدة، بفضل انفتاحها على مشاريع مهيكلة، وأشار إلى أهمية القرية الإيكولوجية بسيدي كاوكي كمثال على التنمية المتوازنة التي تستثمر في البيئة وتخدم السكان المحليين.
كما تحدث مدير المركز الجهوي للاستثمار عن رؤية مستقبلية تستند على ثلاثة محاور أساسية: الصناعة الثقافية والإبداعية، السياحة البيئية المستدامة، والمنتوجات الطبيعية ذات القيمة المضافة، مشيراً إلى أن المشاريع المرتقبة تسعى إلى تحقيق عدالة مجالية حقيقية، وخلق الثروة محلياً.
رغم التحديات، تظل سيدي كاوكي أرضاً غنية بالمؤهلات والطاقات، وتنتظر فقط تفعيل إرادة حقيقية واستراتيجية عادلة، تمكنها من الخروج من دائرة الهشاشة وتحقيق إقلاع تنموي يليق بسكانها وبموقعها الفريد في الخريطة السياحية للمغرب.