رقمنة المجتمع المدني بالمغرب …صفقة مثيرة للجدل تغضب فاعلين بالقطاع
كشف مصدر مطلع، كون المنتدى الوطني الثاني للمجتمع المدني الذي انعقد بمدينة طنجة، حول موضوع “التحول الرقمي لجمعيات المجتمع المدني”، ترأسه الوزير مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، قد أغضب جمعيات وأعضاء فدرالية تكنولوجيا المعلومات ومنابر إعلامية محلية لم تتم دعوتها، لتغطية هذا المنتدى الوطني الهام الذي نُظم في تكتم شديد طيلة يومين (من 22 إلى 23 دجنبر 2023) بفندق خمس نجوم يقع على مسافة 23 كيلومتر من مدينة طنجة بحضور مجلس جهة الشمال ومسؤولين آخرين في هذه الخطوة الغير مدروسة..
صفقة صامتة
تبين بعد نشر البلاغ لاحقا على موقع الوزارة المعنية، صحة “الكواليس” التي سبقت تنظيم هذا المنتدى الثاني، بما فيها ظروف “الصفقة الصامتة” التي منحت لشركتين محسوبتين على خط حزب التجمع الوطني للأحرار وهما معا في ملكية مستشارين برلمانيين عن نفس الحزب
ويتعلق الامر بتمرير صفقة كبرى ذات أهمية وطنية قصوى، تتضمن إسناد إنجاز ست 6 بوابات أنترنيت وطنية لشركتين وذلك من جهة بدون اللجوء لصفقة عمومية أو احترام لمبدأ المنافسة ومن جهة أخرى بدون استشارات مسبقة حول الاختيارات والمواصفات التكنولوجية من أجل إعداد ذفاتر التحملات مع الفاعلين بالقطاعين العام والخاص لتكنولوجيا المعلومات، والأمر يتعلق بـ
1- بوابة وطنية للجمعيات
2- بوابة المواطنة للعمل الجمعوي التعاقدي
3- بوابة التعلم والتدريب والتحسيس عن بعد
4- بوابة الشراكات مع الجمعيات
5- بوابة جائزة المجتمع المدني
6 -بوابة مركز التواصل والمواكبة المباشرة لمشاريع الجمعيات.
استقبال ومواكبة الجمعيات في مقر خاص
وحسب بلاغ الوزارة يتواجد المقر المركزي لتسيير وتدبيير هذه الصفقة داخل المقر الرئيسي لإحدى الشركتين مما دفع الفاعلين في مجال الرقمنة للتأكيد على أن إستراتيجيات الرقمنة تجاه المجتمع المدني أصبحت على المحك وذلك في ظل الغياب الشبه الكلي للقطاعات المتخصصة وغياب التواصل الشفاف
المصادر المطلعة، أشارت أن مشروع رقمنة “المجتمع المدني” المعترف به كفاعل استراتيجي من طرف الأمم المتحدة منذ القمة العالمية لمجتمع المعلومات “خطة عمل جنيف 2003” التي صادق عليها المغرب، كان أجدر بالوزير المعني الإعلان عنه بشفافية في بوابة الصفقات العمومية لإتاحة مشاركة جميع الشركات التكنولوجية ومراكز التواصل على الصعيد الوطني والجهوي، بدل منحه لفائدة شركتين.
أسئلة كبرى على طاولة وزارة بايتاس
أعلنت الوزارة الوصية على المجتمع المدني عن توقيع صفقة الرقمنة بالمجان من طرف شركتين بصفتهما “شركتين مواطنتين” حسب البلاغ الرسمي المنشور في موقع الوزارة الوصية، مما دفع الفاعلين في القطاع إلى طرح الأسئلة التالية بشأن هذه الوضعية الشاذة هي:
• من هي الجهة المعترف بها وطنيا أو دوليا التي منحتهما هذا الاختيار؟
• وما هي الأعمال التي قامتا بها هاتين الشركتين لتستحقا هذا اللقب ؟
• وما هو السند القانوني لقرار إسناد الصفقة بدون أية منافسة وتفويض تدبير أكثر من مائتي ألف (200.000) جمعية ؟
• هل هناك دفاتر تحملات تنص على مواصفات صادرة عن مكاتب دراسات معتمدة تحدد جميع ضمانات الحوكمة لهذا المشروع لتجنب جميع المخاطر المرتبطة بالأمن السيبراني واستخدام بيانات الجمعية أو التحكم فيها على المستوى الوطني؟
• ما سبب غياب المجلس الوطني لحماية البيانات الشخصية عن هذا الملتقى الوطني ؟
• كيف يمكن تفسير أن هذه الاتفاقية المبرمة مع شركتين، تمت في ظروف مشبوهة، وتنص صراحة على وضع مقر احدى الشركتين كفضاء لاستقبال مسؤولي الجمعيات ومواكبة واحتضان مشاريعهم وعقد الشراكات معهم والتواصل معهم حضوريا وعبر مركز التواصل, وهذا في حد ذاته سلاح ذو حدين ؟
مصادرنا، أشارت أيضا إلى أن نقاشات واسعة في أوساط الشركات التكنولوجية الوطنية المتخصصة قد أثيرت، بما فيها عدم إشراك فيدراليتها وكذا في أوساط المنابر الإعلامية المحلية التي لم تتم دعوتها لهذا “المنتدى الوطني” وتتساءل عن سبب انعقاد المنتدى بفندق بعيد عن المجال الحضري لطنجة ، كما تعبرأيضا عن غضبها من تدبير الوزير بايتاس بصفة حزبية لهذا الورش الملكي.
موقف فدرالية تكنولوجيا المعلومات والخدمات المرحلة
وللتأكد من وقع هذا الغضب وأبعاده أجرت الجريدة اتصالا هاتفيا مع رئيس فدرالية تكنولوجيا المعلومات والخدمات المرحلة (Apebi) رضوان الحلوي وهي أكبر تجمع تكنولوجي بالمغرب يضم أكثر من 250 شركة متخصصة في الرقمنة، حيث أكد أن الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان لم تشرك الفدرالية في دراسات و إعداد تصور هذا المشروع رغم كون الفدرالية من أبرز الشركاء في الرقمنة لوزارة الإنتقال الرقمي ولوكالة التنمية الرقمية، مضيفا أنه لم يتلق بصفته رئيساً أي اتصال، أو دعوة لإشراك الفدرالية في هذا الورش الوطني، باستثناء اتصال هاتفي قبل 48 ساعة من انطلاق فعاليات المنتدى، حيث أُخبِر أن المنظمين خصصوا للفدرالية رواقا في التظاهرة ووجهت له الدعوة في آخر لحظة للحضور وأخذ الصور فقط بدون برمجة اية مداخلة له في جدول أعمال الورشات أو خلال الجلسة الافتتاحية.
واعتبر المتحدث أن اختيار شركتين “للتدبير المباشر” و”لتنسيق” و”لمواكبة” هذه العملية الرقمية الهامة، دون الإعلان المسبق عن تفاصيلها، يطرح العديد من التساؤلات خاصة على مستوى “الأمن المعلوماتي” و”المعطيات” الحساسة لمئات الآلاف من الجمعيات التي ستجد نفسها مفروض عليها التقيد بمنصات معينة، الشئ الذي يثير القلق بشأن التحكم في المعطيات المتعلقة بهذه الجمعيات واحتمال استعمالها لإهداف خاصة.
واعتبر المتحدث أن المنهجية السليمة المبنية على تجارب ناجحة دوليا في مجال الجمعيات تقتضي دعم الجمعيات مع احترام استقلاليتهم وتركهم يختارون من يشتغلون معهم بحرية ومساعدتهم على رقمنة أنشطتهم وبياناتهم ووثائقهم من أجل تفادي الدخول في التأويلات المتعلقة بحصر جميع الجمعيات في خانة واحدة وهو ما يشكل ضربا في الديموقراطية التشاركية.
وأضاف أيضًا أن الفدرالية هي الشريك التكنولوجي الرئيسي للحكومة لمدة 32 عامًا شاركت خلالها في جميع أوراش الرقمنة الكبرى؛ فقد كانت عضو في لجنة الحكومة الإلكترونية التي أعدت الاستراتيجيات الأولى للبلاد بما في ذلك “الاستراتيجية الرقمية للمغرب 2009-2013″، وممثلوها متواجدون في لجان وكالة التنمية الرقمية، ADD ومجلس إدارتها. بالإضافة إلى ذلك، تشارك الفدرالية حاليا في اجتماعات اللجنة المكلفة بإعداد “استراتيجية المغرب الرقمي 2030” التابعة لوزارة الإنتقال الرقمي.
ولم يخف رئيس الفدرالية استياءه إزاء المقاربة غير الشفافة لمشروع الرقمنة الضخم هذا، متسائلا عما إذا كان هناك إشراك فعلي وفعال لوزارة الانتقال الرقمي ولوكالة التنمية الرقمية في عملية إعداد هذا المشروع الذي يقع ضمن اختصاصاتهما.
تجربة أوروبية ناجحة: “شيك الرقمنة”
كما قدم رئيس فدرالية تكنولوجيا المعلومات والخدمات المرحلة نموذجاً لتجربة أوروبية ناجحة لرقمنة الجمعيات، منح بمقتضاها لكل جمعية الحق في “شيك الرقمنة” بمبلغ 500 أورو تصرفها لأية شركة تكنولوجية من اختيارها تتعاقد معها لتوفير آليات تحولها الرقمي، لكن في كل الأحوال من الضروري فرض حد ادنى من الشروط التقنية الأساسية والإختيارات التكنولوجية الضرورية لضمان الأمن المعلوماتي والخدمات التشاركية ونجاعة التشبيك.
كما ركز الحلوي على رهانات الأمن المعلوماتي لرقمنة وتجميع بيانات كل الجمعيات الوطنية وخاصة منها تلك التي لها أنشطة مرتبطة بحقوق الإنسان أو فئات معينة من المجتمع… مضيفا أنه يوصي بتكليف لجنة وزارية من ضمنها ممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني للإشراف على هذا الورش الوطني لرقمنة المجتمع المدني. وختم المتحدث قوله بأن دور الفدرالية منذ تأسيسها قبل 32 سنة، بصفتها فاعلا أساسيا في أوراش الرقمنة بالمغرب الى جانب الحكومة، هو تقديم رؤية استراتيجية ذات بعد وطني والتنبيه عن أية انزلاقات محتملة قبل وقوعها.
الاهتمام الملكي السامي والسيادة الرقمية
وفي الأصل تبقى استراتيجية الرقمنة موضوع اهتمام ملكي سامي، وأداة لتنمية كل القطاعات الوطنية، غير أن هذا الموضوع الاستراتيجي يبدو أنه تحول إلى أداة حزبية لتحقيق أهداف انتخابية وعلى رأسها التحكم في معلومات وبيانات آلاف الجمعيات على المستوى الوطني، وبالتالي استعمالها كآليات حزبية لمشاريع انتخابية مستقبلا.
وقد خلص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مؤخرا إلى ضعف التنسيق بين القطاعات الحكومية في عمليات ضبط التنسيق الأفقي وإعمال ومواكبة وتمويل مشاريع الرقمنة، وكذلك الى أهمية ربح رهان “الامن المعلوماتي” وضرورة الاستثمار في “الحوسبة السحابية” الضامنة “للسيادة الرقمية” وفق ذفاتر تحملات صارمة ومتوافق بشأنها بين كل الفاعلين المعنيين.
تقارير المجلس الأعلى للحسابات
وقبل ذلك كانت الرقمنة موضوع تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي سطر أسباب فشل بعض محاور استراتيجية المغرب الرقمي 2013/2009 في تحقيق الأهداف المسطرة.
ومن جديد سجل التقرير السنوي الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات برسم 2022-2023، وهو يتحدث عن التنمية الرقمية بالمغرب، حيث دعا في هذا السياق إلى تجاوز الفجوة الرقمية “بتمكين مختلف شرائح المجتمع من الولوج للعالم الرقمي، من خلال توفير التجهيزات اللازمة والربط بالشبكة والتكوين، وإيجاد الوسائل الكفيلة بمساعدة المواطنين للولوج للخدمات العمومية مع ضمان حماية حقوقهم ومعطياتهم الشخصية وحمايتهم من مخاطر الأنترنت.
المجتمع المدني والنموذج التنموي الجديد..
لقد خصص النموذج التنموي الجديد حيزا هاما للمجتمع المدني حسب التقرير الذي أعدته اللجنة الملكية مؤكدا بأنه يجب تأهيله ليقوم بأدواره الكاملة تتمثل في مجتمع مدني من “الجيل الجديد” مهيئ بشكل أفضل ومساهم بصفة متزايدة في “العمل التنموي” (ص 63).