درس محمد السادس التاريخي
بعد أيام من بدء الحصار على شعب قطر ومقيميها من قبل «الأشقاء الجيران» خلال شهر رمضان الماضي، لم نستغرب نحن أهل قطر، أن يكون أول من يبادر إلى كسر هذا الحصار الجائر، هو جلالة الملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية الشقيقة، حفظه الله، حيث أمر حينذاك بإرسال طائرات محملة بمواد غذائية، انطلقت من المحيط الثائر لتصل إلى الخليج الهادر، الذي بدأ يدون بين صفحاته صموداً لشعب وقيادة، كل جريمتهم أنهم يرفضون الوصاية على قرارهم واستقلالية وطنهم.
انطلق حفيد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليسجل موقفاً أخلاقياً وعروبياً ودينياً ينسجم مع أصوله الطاهرة، ويتسق مع الشريعة الإسلامية السمحاء، التي تدعو لنصرة الأخ والشقيق لا عداوته وظلمه وحصاره، ومنع دخول الغذاء والدواء وكافة مقومات الحياة إليه.
كانت تلك الطائرات بما تحمله، رسالة وصفعة للحصار، ومن يدور في فلكه من سياسيين ورجال دين كذبوا على الله وعلى شعوبهم، وعلى كل من يملك ذرة عقل، بإعلانهم أن الحصار الذي بدأ في شهر رمضان وما بعده هو «لصالح القطريين»!! إن دولة قطر، شعباً وقيادة، وهي ترحب بضيفها الكبير، ستظل تذكر موقفه الأخلاقي المشرّف والأصيل، الذي سيظل حاضراً في قلوب وعقول أهل «كعبة المضيوم» من مواطنين ومقيمين، والذين سيقارنون، مهما طال الزمن، بين من يختلق الأكاذيب لحصار شعب مسالم، وبين هذه الوقفة الكريمة الشجاعة من ملك حكيم يثبت بتصرفاته وأفعاله أن ولاية أمر المسلمين هي مسؤولية وتكليف لا تشريف.
لقد دشّن جلالة الملك محمد السادس بكسره الحصار على قطر خلال شهر رمضان الماضي، صفحة جديدة في علاقات البلدين والشعبين الشقيقين، لا سيما أن الأشقاء المغاربة الذين يعملون في الدوحة، ويشاركون في نهضتها بمختلف التخصصات والمهن، كان لهم نفس الموقف النبيل لقائدهم «السيد الشريف حفيد رسول الله»، ودعموا بلدهم قطر بمواجهة الحصار.
ولا شك أن المباحثات التي جرت، أمس الأول، بين حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وشقيقه جلالة الملك محمد السادس، حفظهما الله، ستنعكس إيجاباً على علاقات البلدين والاستقرار في المنطقة، وجلالته يؤكد بهذه الزيارة الكريمة أن قطر جزء أصيل من الجسد العربي والإسلامي، وأن مخطط دول الحصار، التي تحاول يائسة دون جدوى، عزل كعبة المضيوم، لم يضعه سوى مجموعة هواة يفتقرون لأي نضج سياسي، أو أخلاقي، أرادوا تصدير مشاكلهم مع شعوبهم إلى خارج الحدود.
وهنا تجب الإشارة إلى ما فعله الملك محمد السادس على الصعيد الداخلي، حينما قاد ما يمكن تسميته بـ «الربيع المغربي»، باتباعه سياسة تصالحية بين مختلف أطياف وتوجهات الشعب الشقيق في المملكة المغربية، وفتح المجال أمام كل التيارات والأفكار والمرجعيات السياسية لتتنافس في حلبة الديمقراطية واختيار الجماهير بلا إقصاء لطرف على حساب آخر، والنتيجة هي ما نراه حالياً في ربوع المغرب من نهضة كبيرة، ما جعلها واحة استقرار سياسي، وسط محيط إقليمي مضطرب وحافل بالعنف، ودول تدفع شعوبها ثمن تسلط حكامها.
لقد قدّم محمد السادس درساً في الشجاعة والقيم الإسلامية بكسره حصار قطر، وقبلها قدم -ولا يزال- درساً للأنظمة المستبدة بأن الحاكم الرشيد هو من يقف على مسافة واحدة من أفراد شعبه، ولا يعرف شيئاً اسمه الإقصاء، وأن القضاء على الإرهاب يبدأ من قيم الحرية والعدالة.
موقع قطري