تحليل… عاهل البلاد يشخص أعطاب الإدارة العمومية وينتصر للمواطن البسيط
أفرد الملك محمد السادس خلال خطاب عيد العرش السبت الماضي، حيزا كبيرا للحديث عن أعطاب الإدارة العمومية وتراجع دورها بعدما كانت مفخرة المغرب في وقت من الأوقات وتحولت اليوم بقدرة بشر إلى أكبر معرقل لتنمية البلاد وتدفع نحو الجمود والركود أكثر منه نحو الرقي والتقدم.
لقد وضع الملك محمد السادس يده على مكامن الخلل أو الأعطاب البنيوية داخل القطاع العام إن صح التعبير وقال الكثير مما يتهرب العديدون منه ويتحاشون قوله بل وتحدث بلسان شعبه واختزل المعاناة اليومية لكل مغربي اتجه نحو إدارة ما لقضاء حاجة ما فتتحول حياته إلى جحيم.
وذكر الملك محمد السادس كل الفاعلين خصوصا الإداريين منهم أنهم وجدوا لخدمة المواطن وقضاء احتياجاته لا العكس لكن غالبيتهم في واد والمواطن في واد ثاني بل ويزيدون من تعميق معاناة المواطن البسيط الذي قد يضطر للتردد على إدارة واحدة مئات المرات عله يجد من ينصت له ويلبي طلباته.
وفي هذا الصدد قال الملك محمد السادس بعبارات واضحة ولا تحتاج لتأويل في خطاب العرش “والواجب يقتضي أن يتلقى المواطنون أجوبة مقنعة، وفي آجال معقولة، عن تساؤلاتهم وشكاياتهم، مع ضرورة شرح الأسباب وتبرير القرارات، ولو بالرفض، الذي لا ينبغي أن يكون دون سند قانوني، وإنما لأنه مخالف للقانون، أو لأنه يجب على المواطن استكمال المساطر الجاري بها العمل”.
وإذا كان الملك محمد السادس قد نوه بأداء القطاع الخاص فإنه في الوقت ذاته وقف عند علل القطاع العام عبر قوله “وتزداد هذه المفارقات حدة ، بين القطاع الخاص، الذي يتميز بالنجاعة والتنافسية، بفضل نموذج التسيير ، القائم على آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز ، وبين القطاع العام ، وخصوصا الإدارة العمومية، التي تعاني من ضعف الحكامة ، ومن قلة المردودية.
فالقطاع الخاص يجلب أفضل الأطر المكونة في بلادنا والتي تساهم اليوم في تسيير أكبر الشركات الدولية بالمغرب، والمقاولات الصغرى والمتوسطة الوطنية أما الموظفون العموميون، فالعديد منهم لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم ، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية. بل إن منهم من يقضون سوى أوقات معدودة ، داخل مقر العمل، ويفضلون الاكتفاء براتب شهري مضمون ، على قلته ، بدل الجد والاجتهاد والارتقاء الاجتماعي”.
وأضاف الملك “إن من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة ، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين.
وعلى سبيل المثال، فإن المراكز الجهوية للاستثمار تعد، باستثناء مركز أو اثنين، مشكلة وعائقا أمام عملية الاستثمار، عوض أن تشكل آلية للتحفيز، ولحل مشاكل المستثمرين، على المستوى الجهوي، دون الحاجة للتنقل إلى الإدارة المركزية. وهو ما ينعكس سلبا على المناطق، التي تعاني من ضعف الاستثمار الخاص، وأحيانا من انعدامه، ومن تدني مردودية القطاع العام، مما يؤثر على ظروف عيش المواطنين”.
واستطرد عاهل البلاد “فالمناطق التي تفتقر لمعظم المرافق والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية، ولفرص الشغل، تطرح صعوبات أكبر، وتحتاج إلى المزيد من تضافر الجهود، لتدارك التأخير والخصاص، لإلحاقها بركب التنمية. وفي المقابل، فإن الجهات التي تعرف نشاطا مكثفا للقطاع الخاص، كالدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة، تعيش على وقع حركية اقتصادية قوية، توفر الثروة وفرص الشغل ولوضع حد لهذا المشكل، فإن العامل والقائد، والمدير والموظف، والمسؤول الجماعي وغيرهم، مطالبون بالعمل، كأطر القطاع الخاص أو أكثر، وبروح المسؤولية وبطريقة تشرف الإدارة، وتعطي نتائج ملموسة، لأنهم مؤتمنون على مصالح الناس”.