المسيحية ليست فاشلة أيها المفكر الإسلامي
ربما تتسائلون عن من هو هذا المفكر الإسلامي الذي ننتقد أدولجته بتعبير مفكرنا عبد الله العروي، والذي قال عن المسيحية بأنها “ديانة فاشلة” (نعتبر المسيحية رسالة وليست ديانة) ،وربما تتسألون عن من هو هذا الباحث المغربي الذي يرد على هذا المفكر الإسلامي !
إسمحوا لي أن أقدم لكم ما أريد التحدث عنه، وبدون إلهاء الحواس، فصاحب هذه المقالة مغربي مسيحي ترعرع في كنف الإسلام كغيره من المسيحيين المغاربة.
أريد أن أكلمكم هنا عن محمد عمارة الذي يعطيه شيخ الأزهر أحمد الطيب الإمام الأكبر، مكانة مميزة، وهو عدو تقليدي طائفي للمسيحيين، قد أصدر كتاب بعنوان “فتنة التكفير” عن وزارة الأوقاف يدين فيه دم مسيحيي مصر، ويصدر هذا المفكر الإسلامي كما يدعى كتب مجانية تنتقذ المسيحية، وقد وصف المسيحية بديانة فاشلة وكتب كتابه “لماذا أنا مسلم ؟” يطعن في الرسالة المسيحية، وكتب عنوان “المسيحية الفاشلة” يطعن في المعتقدات المسيحية، ويؤكد فيه بأن الإسلام أرقى من المسيحية بمجلة الأزهر، وقال في هذا المقال “أن سبب بروز الإسلام هو ضعف المسيحية…”.
تاريخ عمارة مع أقباط مصر قديم يعود لأكثر من عشر سنوات، عند ما أصدر كتاب بعنوان “فتنة التكفير” عن سلسلة الأوقاف الإسلامية، وتوجد بهذا الكتاب فتاوى تبيح دم مسيحيي مصر، فتمت معارضة صدور هذا الكتاب من وزارة الأوقاف المصرية، وعلى الفور قرر الدكتور محمود زقزوق في ذلك الوقت سحب الكتاب من الأسواق وإصدار طبعة ثانية، بعد حذف السطور التي تدين المسيحيين وتحرض على قتلهم، فأصدر محمد عمارة بيانا يعتذر فيه ويتحجج بنقله فتوى الشيخ أبي حامد الغزالي دون تركيز، ولكن يبدو أن الدكتور عمارة لا يتخلى عن طائفيته أبدا، فهي تحتله وتقيم في قلبه وروحه، فمنذ توليه رئاسة تحرير مجلة الأزهر استمر في نهجه بنشره مقالات مسيئة للمسيحيين وازدرائه للمسيحية في الكتب المجانية التي تصدر مع مجلة الأزهر،فقد أهان الإنجيل دون مراعاة لمشاعر المسيحيين، وتتم إهانة عقيدة المسيحيين على الملأ بالإعلام الرسمي للدولة التي يدفع المسيحيون لها الضرائب من طرف هذا الطائفي، ولا يكتفي الرجل بالسخافات التي نشرها في كتاب “لماذا أنا مسلم ؟” وتطعن في المسيحية وعقيدتها وكتبها، فقد كتب كتاب أخر كهدية مجانية مع مجلة الأزهر التي أصبحت تقدم كتابين هدية،إغراء للقارئ وتمكينا للفكر الأزهري في نفوس المصريين، واستمرار لخلق المزيد من المتطرفين لتغذية التيارات المتشددة، والكتاب إسمه “دراسات غربية تشهد لتراث الإسلام” هدية مجانية لشهر شعبان (1436 ه / 2015 م)، ويقع في 232 صفحة من الحجم المتوسط، ومحور الكتاب هو شهادات لبعض المستشرقين أن دين الإسلام هو أعظم دين في الدنيا و المسيحية ديانة فاشلة، وهي كتابات تتلج صدر المسلمين الذين يفرحون بهذا الإنتصار العظيم وتصل رقبتهم عنان السماء وليذهب المسيحيون الكفار الأغبياء برسالتهم التبشيرية إلى الجحيم.
والسؤال الأعمق و الأهم – هل يشعر محمد عمارة و مؤسسة الأزهر بكل صولجانها أن الإسلام في حاجة إلى من يشهد له ؟ الإجابة تكمن في إهداء عمارة بالصفحة الأولى من الكتاب،الذي جاء فيه :”هذا الكتاب مهداة إلى الذين يعتزون بتراث أمتهم و إلى الذين يهرفون بما لا يعرفون..”،إذن فمحمد عمارة يريد أن يقول لمن يطلبون بتجديد الخطاب الديني و تنقية التراث،أنظروا أنتم الذين لا تعترفون كيف يُقدر الغربيون الإسلام،و في نفس الوقت يطعن في المسيحية و بذلك يضرب عصافير مصر كلها بحجر واحد،بل يسقط شجرة الوطن المصري الذي يحارب الإرهاب و الفتن الطائفية بيد و بيد أخرى يمول كتبا تُغذي الطائفية و التعصب،أي ينتج الإرهاب و يحاربه في نفس الوقت – و يبقى هناك سؤال عالق – هل يتماشى إصدار هذا الكتاب عن طريق الأزهر و توزيعه مجانا مع ما يسمى بيت العائلة ؟ الكيان الذي يرعاه الأزهر للوحدة الوطنية و حل المشكلات الطائفية،إن هذا التناقض يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن بيت العائلة هذا عبارة عن أكذوبة كبرى،شكل بلا مضمون،و ضرب حتى الموت لدولة القانون بجلسات الصلح العرفي الخائبة،التي تجري في كل حدث إرهابي يضرب الكنيسة المصرية،كما حصل سنة (2016).
المشكلة تتضخم عند القبطي المسيحي المصري الطيب الذي تمتلكه الحيرة،فأي أزهر يصدق – أزهر بيت العائلة أم أزهر كتب الفتنة الطائفية المجانية التي تطعن في عقيدته بلا هوادة و لا رحمة و لا يمتلك حق الرد ؟ فماذا يفعل و هو يقرأ كتابا عليه طابع الأزهر ؟
ففي عنوان فرعي بالكتاب “فشل المسيحية بالشرق الأوسط” (ص 23 :”إن الجانب المهم في إنجاز الإسلام في الشرق الأوسط هو أنه حل محل المسيحية،إن السبب الجوهري لذلك هو الضعف الداخلي للمسيحية أو كون بذور الضعف في قلب المسيحية..” و يضيف “علينا أن نبحث عن جذور فشل المسيحية بمعالجة موضوع المسيحيين الشرقيين،فاللاهوتيون كانوا يكتبون باليونانية لكن طريقة تفكيرهم كانت بشكل أساسي بعقليتهم في لغاتهم الأصلية (السريانية – القبطية) و قد أدى الإختلاف في العقليات إلى اختلاف في الصيغ اللاهوتية في قضايا مختلفة،و عندما كانت تطرح هذه القضايا اللاهوتية المختلف عليها أمام المجامع المسكونية كان اليونانيون يستبعدون المسيحيين الشرقيين من حق التصويت”.
و لا ندري من أين جاء الكاتب بهذا الكلام الفارغ و غير العلمي،فأثناسيوس البطريرك العشرون للكنيسة القبطية المصرية،قد شارك في وضع قانون الإيمان المسيحي و الذي يدعى بقانون “الإيمان النيقاوي” الذي يبدأ بجملة ب”الحقيقة نؤمن بإله واحد” في مجمع نيقية (أسطنبول حالياً) و الذي إعتمده 318 أسقفاً من مختلف أنحاء العالم،كانوا حاضرين هذا المجمع.
فعلى أي أساس يقول محمد عمارة أن المسيحية فاشلة ؟
لقد جاء المسلمون إلى مصر،و لاقى الأقباط المسيحيون ما لاقوه من عمر بن العاص و الولاة الذين أتوا من بعده،من تمييز و اضطهاد في بعض الفترات التاريخية،و لكم أن تقرئوا ما كتبه المقريزي في هذا الشأن،خصوصاً عن حكم الحاكم بأمر الله و ما حدث للمسيحيين على يديه،فقد مرت المسيحية عبر تاريخها بالإضطهاد لم يقع لغيرها،و لو كانت فاشلة لكان للتاريخ كلمته في زوالها كما زالت معتقدات كثيرة من صفحات التاريخ،لكننا لازلنا نجد اليوم المسيحية في مصر حيث أسسها الرسول مرقس،فالكنيسة تنادي بالمواطنة وتنبذ الطائفية و ليس كما يدعي محمد عمارة، فالكنيسة المسيحية تصلي من أجل الرفاه للكل مسيحيين و غيرهم و من أجل المسؤوليين و المظلومين،و المسيحيون يبحثون عن معنى النبل الأخلاقي فيها،و يحاولون ابرازه للعالم،من خلال التعاليم – فهل يمكننا القول أن المسيحية فاشلة أيها المفكر الإسلامي ؟
* محمد سعيد : عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية