المدرسة الحسنية بأبي الجعد: تاريخ ومسار

تعد المدرسة الحسنية بأبي الجعد من أبرز المؤسسات التعليمية في تاريخ المغرب الحديث، حيث لعبت دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية المغربية الإسلامية، من خلال تعليم اللغة العربية وتعزيز الفكر الوطني. يعود الفضل في تأسيس هذه المدرسة إلى الفقيه العلامة محمد السموني الشرقاوي، المعروف بلقب “الفقيه العليم”، الذي كان له دور مهم في بناء الوعي الوطني وتعليم أبناء المدينة من خلال التعليم الحر والمستقل.
دور الفقيه السموني في بناء المدرسة الحسنية
كان الفقيه السموني من الأوائل الذين دعوا إلى تأسيس مدارس حرة، بعيدة عن الهيمنة الفرنسية. بدأ مشواره في تأسيس هذه المدارس بتعليم أبنائه في منزله، حيث خصص غرفًا دراسية على الرغم من افتقارها للأثاث الضروري مثل الطاولات والكراسي. كانت هذه المبادرة تمثل نقطة انطلاق لمشروع تعليمي كان يهدف إلى توفير تعليم أكاديمي يحترم الهوية المغربية ويعزز الوعي الوطني في مواجهة محاولات الاستعمار الفرنسي لطمس الثقافة العربية والإسلامية.
ثم تم بعد ذلك كراء دور للدراسة كدار القايد بوعبيد، ودار الناصري، ودار ولد ساعدة بدرب الغزاونة، ودار طويبة…
تأسيس المدرسة الحسنية في عام 1946
على الرغم من التحديات، لم يتم تنفيذ مشروع المدرسة الحرة إلا في عام 1946، عندما اجتمعت مجموعة من الوطنيين الغيورين على تعليم أبناء المدينة وتعزيز استقلالية التعليم. تشكلت لجنة من الشخصيات البارزة في المدينة للمطالبة بفتح مدرسة قرآنية بمدينة أبي الجعد. ضمت اللجنة كلًا من:
محمد السموني الشرقاوي، عبد الواحد الشرقاوي، الجيلالي حيمر، محمد بن خلوق، محمد بن سيدة ،
محمد بن المعطي الشرقي، المعطى السموني الشرقاوي، أحمد المالكي ،العربي الشعرانی ،محمد المسكيني، أحمد بن العربي منار.
قامت اللجنة بمراسلة القصر الملكي في الرباط، حيث تم التواصل مع المجاهد محمد الغازي، عضو لجنة التعليم العالي، الذي كان وسيطًا فعّالًا في الحصول على الموافقة المولوية. وبناءً على ذلك، تم الترخيص بفتح مدرسة قرآنية عربية علمية في 3 مارس 1946، تحت اسم “مدرسة محمد بن محمد السموني”.
التسمية والمرحلة الأولى للتعليم
تيمناً بصاحب السمو الملكي ولي العهد آنذاك مولاي الحسن، قررت اللجنة تسمية المدرسة بـ “المدرسة الحسنية”، لكن في بعض الوثائق الإدارية التي ظهرت لاحقًا كانت المدرسة تحمل اسم “مدرسة سمو ولي العهد مولاي الحسن بأبي الجعد”. ومع مرور الوقت، أصبحت تُعرف بين السكان المحليين باسم “المدرسة الحسنية” أو “المدرسة الحرة”.
بدأت الدراسة في المدرسة الحسنية في الموسم الدراسي 1946-1947 في دار القايد بوعبيد، التي تعرف الآن باسم دار الحاج أحمد حيمر، حيث كانت تحتوي على ثلاث حجرات دراسية، وضمت حوالي 150 تلميذًا، أغلبهم من جامع مولاي سليمان. كان يُشرف على تدريس هؤلاء التلاميذ خمسة مدرسين، وفي ظل ظروف صعبة استمروا في تعليمهم لمدة ثلاثة أشهر، في انتظار وصول التجهيزات المدرسية من خنيفرة والدار البيضاء.
التوسع والتطور في السنوات اللاحقة
في السنة الثانية من افتتاح المدرسة، ازداد عدد التلاميذ المسجلين من أبناء المدينة والدائرة المجاورة. ومع هذه الزيادة، تم إضافة حجرات دراسية جديدة في دار مجاورة لدار القايد بوعبيد، وتعيين مدرس لغة فرنسية لأول مرة.
وفي السنة الثالثة، تم استئجار “دار طويبة” كملحقة للمدرسة في درب العلاليين. بهذا التوسع، أصبحت المدرسة تضم قسمين في كل مستوى، باستثناء المستوى الخامس الذي احتوى على قسم واحد ضم 19 تلميذًا.
الإنجازات والمشاركة في الامتحانات
بحلول يونيو 1949، تقدم أول فوج من التلاميذ من المستوى الخامس لاجتياز امتحانات شهادة الدروس الابتدائية في دار المقري بالدار البيضاء. استمر هذا الامتحان لمدة أسبوع كامل وكان تحت نفقة حزب الاستقلال. وقد أسهم هذا الحدث في تأكيد أهمية المدرسة الحسنية كمنارة تعليمية، حيث تخرج منها عدد من التلاميذ الذين تابعوا دراستهم في مؤسسات أخرى مثل مؤسسة عبد الكريم الحلو وغيرها من المدارس.
تعد المدرسة الحسنية بأبي الجعد من أهم المؤسسات التعليمية التي ساهمت في نقل التعليم الوطني إلى مستوى متقدم، بعيدًا عن تأثيرات الاستعمار الفرنسي. من خلال جهود الفقيه محمد السموني وفريقه من الوطنيين، كانت المدرسة نقطة انطلاق لحركة تعليمية مناهضة للهيمنة الأجنبية، وساهمت في بناء أجيال حملت على عاتقها مهمة تعزيز الهوية الثقافية والدينية المغربية.
ملحوظة : منقول من حائط فيسبوك المهندس سيدي محمد اسموني ، ابن المرحوم سيدي المعطي اسموني الشرقاوي