3 نونبر 2024

البيجيدي يقدم عرضه السياسي للمرحلة ومبادرته السياسية الحقوقية للحزب

البيجيدي يقدم عرضه السياسي للمرحلة ومبادرته السياسية الحقوقية للحزب

قدم حزب العدالة والتنمية، “العرض السياسي للمرحلة والمبادرة السياسية الحقوقية للحزب”، في لقاء صحفي عقدته الأمانة العامة، مساء يوم الجمعة 28 ماي بالرباط. وفي ما يلي نص العرض السياسي لحزب العدالة والتنمية في المرحلة.

العرض السياسي لحزب العدالة والتنمية في المرحلة

تمهيد

يعتبر الوضوح المتجدد في العرض السياسي للأحزاب السياسية مسألة أساسية في تحديد البوصلة التي تحكم عملها السياسي خلال أي مرحلة من المراحل، وهو ما ينطبق على حزب العدالة والتنمية الذي ما فتئ يجدد عرضه السياسي خلال مساره التاريخي الممتد.

وتتأكد هذه المسألة عند حدوث تحولات وازنة في الواقع السياسي تستوجب تفاعل الأحزاب السياسة معها؟، وكذلك مع اقتراب مواعيد أي استحقاقات انتخابية، بما يقتضيه ذلك من جهة من تقييم وعرض حصيلتها في مجال تدبير الشأن العام، ومن جهة  ثانية تحديد الإطار السياسي للبرنامج الانتخابي للحزب.

أولا: في أهمية العرض السياسي

وتتمثل أهمية بلورة عرض سياسي متجدد بالنسبة لحزب العدالة والتنمية في هذه المرحلة، للاعتبارات الآتية:

•            توفير الوضوح السياسي لدى المناضلين ولدى المتتبعين للحزب، من حيث بناء تشخيص مشترك للواقع السياسي من حيث المكتسبات المتحققة لصالح المجتمع أو الإخفاقات والصعوبات التي تواجه العمل الإصلاحي لحزب معين بغض النظر عن موقعه السياسي، على اعتبار أن مثل هذا التشخيص يسهم في التقييم الموضوعي لأداء الحزب وللفرص والصعوبات التي تواجه تحقيق برامجه؛

•            بناء ثقافة سياسية مشتركة مؤطرة للتعامل مع الواقع السياسي خلال مرحلة معينة من خلال بلورة قراءة سياسية مشتركة وتملكها من قبل المناضلين؛

•            تعبئة المناضلين بناء على وضوح في التوجهات المؤطرة  للفعل السياسي، مما سيعزز انخراطهم النضالي في استحقاقات المرحلة؛

•            صياغة شعار جامع يسهل ذلك الوضوح ويمكن من تلك التعبئة.

ثانيا: في تعريف العرض السياسي

بمكن تعريف العرض السياسي بكونه الإطار السياسي العام الذي ينطلق منه الحزب لصياغة توجهات خلال مرحلة معينة، كما أنه هو الإطار السياسي للبرنامج الانتخابي لحزب سياسي والذي سيكون مرجعا في صياغة البرنامج الحكومي في حالة إذا كان الحزب مشاركا في التدبير الحكومي.

وعلى الرغم من الطبيعة الظرفية للعرض السياسي، حيث إنه يؤطر مرحلة زمنية محددة، لكنه يستمد منطلقاته من الأوراق التأسيسية العامة للحزب وفي حالة حزبنا من البرنامج العام. 

فالعرض السياسي يبقى مؤطرا بمبادئ الحزب ومنطلقاته كما وردت في أوراقه التأسيسية، لكنه قد يسهم أيضا في إغنائها وتطويرها، انطلاقا من الجدلية التي يتعين أن تبقى قائمة بين مبادئ الحزب ومنطلقاته المنهجية وبين ما تبين عنه الممارسة من حاجة لملاءمة وتطوير الرؤى والمقاربات والبرامج السياسية للحزب.

ثالثا: في تطور العرض السياسي للحزب

تجدر الإشارة إلى أن العرض السياسي للحزب قد تطور عبر مراحل حسب السياقات السياسية المختلفة التي مر منها الحزب والمواقع التي شغلها.

 وإن قراءة في هذا التطور تكشف أن العرض السياسي في مختلف تلك المراحل المنهجية، كان يتأثر بعاملين أساسين:

•            العنصر الأول: هو تشخيص الحزب للواقع السياسي وقراءته لهذا الواقع

•            العنصر الثاني: هو موقع الحزب في الخريطة السياسية

وبناء على ذلك فقد خضع العرض السياسي للحزب لعدد من التحولات والتطورات نلخص أهم معالمها الكبرى فيما يلي:

1)         المرحلة الأولى: من المؤتمر الوطني الاستثنائي سنة 1996 إلى سنة 2007

لقد تطور تموقع الحزب خلال هذه المرحلة عبر فترتين:

–            الفترة الأولى: موقع المساندة النقدية حيث كان الحزب قد اعتذر عن المشاركة في حكومة السيد عبد الرحمن يوسفي واختار شعار ”المساندة النقدية”.

 لقد قدر الحزب آنذاك أن الظرفية السياسية الخاصة المتميزة بتجربة التناوب التوافقي التي أنهت تاريخا طويلا من المشاكسة السياسية تقتضي الإسهام إيجابيا في دعم التجربة مع المحافظة على مسافة منها، خاصة وأن عرض المشاركة في الحكومة كان عرضا رمزيا لم يكن يستجيب لتطلعات الحزب.

–            الفترة الثانية: الانتقال لموقع المعارضة حيث كان الحزب قد خلص بدءا من سنة 1999 إلى أن هناك توجها للمساس بهوية الشعب المغربي وهو التحليل الذي بلغ مداه خاصة بعد الإعلان عن “الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”، وما نتج عنها من استقطاب اجتماعي مالت فيه الكفة إلى التوجه المدافع عن المرجعية الإسلامية، ثم جاء التحكيم الملكي واضحا حين أعلن جلالة الملك في خطاب افتتاح السنة التشريعية لسة 2003 أنه لا يمكنه بصفته أميرا للمؤمنين أن “يحل حراما أو أن يحرم حلالا”.

خلال هذه الفترة اختمر داخل الحزب من خلال الحوار الداخلي نقاش حول مداخل الإصلاح والعرض السياسي والشعار الجامع الذي يتعين تبنيه: هل هو محاربة الفساد؟ هل هو مدخل الهوية؟ أم التدبير؟، أم هو مدخل النضال الديمقراطي؟.

2)         المرحلة الثانية: العرض السياسي بعد سنة 2007

 لقد تبلور بدء من سنة 2007 عرض سياسي جديد، حيث خلص المؤتمر الوطني السادس للحزب المنعقد صيف 2008 إلى تبني ” أطروحة النضال الديمقراطي”، وقد ارتبط هذا العرض بتشخيص للمرحلة السابقة يقوم على تبني مقولة “السيناريو التراجعي” حين تصاعدت توجهات استئصالية ضد الحزب وتوجهات للتحكم في الحياة السياسية، بما ارتبط ذلك من تمدد للفساد ومنطق الريع.

3)         المرحلة الثالثة: العرض السياسي بعد سنة 2011 إلى سنة 2016

لقد تطور العرض السياسي للحزب خلال هذه المرحلة عبر فترتين:

–            الفترة الأولى: تبنى فيها الحزب شعار ” الإصلاح في نطاق الاستقرار” شعارا مؤطرا لعمله، وذلك على إثر تصاعد حركة الربيع الديمقراطي في المنطقة والحراك الشبابي لحركة 20 فبراير في المغرب، وتبلور في هذا السياق  شعار ”مناهضة الاستبداد ومكافحة الفساد” شعارا للمشاركة الانتخابية للحزب سنة 2011؛

–            الفترة الثانية: مرحلة ما بعد إقرار الدستور الجديد لسنة 2011، حيث تبنى الحزب من حيث  التشخيص سيناريوها  متفائلا بالنظر إلى ما حمله هذا الدستور من مضامين إصلاحية تسير في اتجاه تعزيز الاختيار الديمقراطي وتبشر بمبادئ الحكامة، وبالنظر إلى ما كانت تتيحه المرحلة الجديدة وتحولاتها من فرص مبنية على خصوصية الحالة المغربية في المنطقة العربية.

فالحراك الشبابي في المغرب لم يُفْضِ إلى نفس المآلات التي شهدها في عدد من الدول العربية، بسبب تحول الحراك السياسي فيها إلى اعتصامات في الميادين أفضت إلى انهيار عدد من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة كان من سماته تفكك أجهزة الدولة وتدهور الاستقرار السياسي والاجتماعي ونشوب حرب أهلية،  مثل ما كان الشأن في الحالة التونسية والحالة المصرية والحالة الليبية.

أما من حيث التموقع السياسي، فإن تصدر الحزب للانتخابات التشريعية لسنة2011 قد قاده للانتقال من موقع المعارضة  إلى قيادة موقع التدبير الحكومي، مما جعل المؤتمر الوطني السابع المنعقد صيف سنة 2012 يتخذ له أطروحة ”الشراكة الفعالة من أجل البناء الديمقراطي”.

4)         المرحلة الرابعة: العرض السياسي لما بعد 2016

 تميزت تشخيص هذه المرحلة بتقييم إيجابي للتجربة الحكومية للحزب رغم الصعوبات والعراقيل التي اصطدمت بها من الداخل ومن الخارج وإخفاق محاولات التحكم في نتائج الانتخابات، وهو التقييم الصادر عن صناديق الاقتراع خلال الاستحقاقات الانتخابية التشريعية صيف سنة 2016 سواء على المستوى الوطني أو المحلي والتي كرست صدارة الحزب للمشهد السياسي.

كما تميزت هذه المرحلة بقرار الحزب مواصلة المشاركة في الحكومة من موقع التدبير  الحكومي، على الرغم من التداعيات التي خلفها ما عرف ب”البلوكاج””، والتي تم تجاوز الكثير منها.

وقد تميزت هذه المرحلة بمصادقة المؤتمر الوطني الثامن للحزب المنعقد شهر دجنبر 2017 على” ورقة توجهات المرحلة” والتي اعتمدت اختيار مواصلة البناء الديمقراطي، كما تميزت بتقدم واضح في مجال تدبير الحزب لشأن الجماعات الترابية وخاصة المدن الكبرى، وفي تبنى الحزب من خلاله موقعه الحكومي لشعار ”الإنصات والانجاز ”.

رابعا: في التقييم العام للكسب السياسي للحزب

يمكن تلخيص الكسب السياسي للحزب في الخلاصات الأساسية التالية:

•  تقديم عرض إصلاحي منسجم مع ثوابت المملكة المغربية مدافع  ومعزز لها ومستجيب لتطلعات المجتمع، مما أسهم في تعزيز وخلق شروط مواتية له انطلاقا من شعار “الإصلاح في نطاق الاستقرار” مع جعل المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار؛

• الإسهام في إنعاش الحياة السياسية وفق مضمون فكري وسياسي وأخلاقي أطَّر الممارسة السياسية وأسهم في إدماج فئات اجتماعية في العمل وفي المؤسسات السياسية( بعض النخب والشباب والنساء)؛

• الإسهام في تعزيز مسار الدمقرطة وعودة المعنى والثقة تدريجيا في العمل السياسي والمشاركة السياسية، مع العمل على مقاومة النكوص ونزعات الهيمنة الرامية إلى الاستبداد بمفاصل القرار والثروة؛

• الحفاظ على استقلالية وسيادة القرار الحزبي؛

• الإسهام في ترشيد الممارسة الحزبية من خلال الالتزام بقواعد الديمقراطية داخليا، ومن خلال الحرص على النهوض بمختلف المهام المسندة دستوريا إلى المؤسسة الحزبية ومنها تأطير المواطنين وتمثيلهم أحسن تمثيل في المؤسسات المنتخبة؛

• الإسهام في تجويد تدبير الشأن العام من خلال عقلنة الأداء العمومي واحترام مبدأ الشراكة مع الشركاء والفرقاء، والحضور الدائم في صلب القضايا المجتمعية حضورا إيجابيا ومسؤولا، والنهوض بالوظائف البرلمانية رقابيا وتشريعيا وديبلوماسيا، وتواصلا وقربا من  المواطنين بشكل متميز تشهد عليه المؤشرات الكمية والكيفية؛

• تنزيل عدد من الإصلاحات الهيكلية الكبرى المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية، والإسهام في تفعيل مبادرات وطنية ذات أولوية خصوصا ما تعلق بمنظومة العدالة والديمقراطية التشاركية، وتحسين الأوضاع المادية والمعنوية والمادية للشغيلة من خلال توقيع اتفاق اجتماعي؛

•  إسهام الحزب في تقديم نموذج واعد لحزب ذي مرجعية إسلامية بخلفية وطنية، مع إسهام مقدر في تجديد الخطاب باقتحامه لعدد من الإشكالات الفكرية والمذهبية وتقديم إجابات تجديدية من قبيل التمييز بين الدعوي والسياسي وإبداع مفهوم حزب سياسي بمرجعية إسلامية والإقرار بالطبيعة المدنية للدولة؛

أما العناوين الكبرى للإصلاحات التي باشرها الحزب خلال المرحلة السابقة، مما سيكون موضوعا لوثيقة تفصيلية حول حصيلة أداء الحزب من موقع التدبير، فنلخصها في العناوين التالية:

1)         اقتصاديا:

•            إصلاح صندوق المقاصة الذي كان يرهق المالية العمومية ويستنفذ ربع الميزانية العامة(بلغت قرابة 56 مليار درهم سنة 2012)؛

•            الإصلاح الجزئي والضروري للصندوق الوطني للتقاعد سنة 2016 بعد تقاعس مختلف الحكومات السابقة عن تفعيل خطة إصلاحه؛

•            تحسين مناخ الأعمال واقتراب المغرب من الدخول إلى نادي الدول الخمسين الأولى عالميا المتقدمة في هذا المؤشر؛

•            الرفع من قدرات جذب الاستثمار الأجنبي والوطني، مع الرفع النوعي من ميزانية الاستثمار العمومي؛

•            المحافظة على مستوى مقبول من الدين العمومي؛

•            دعم الاستثمار الوطني من خلال نظام الأفضلية الوطنية بإزاء مجموعة من الإجراءات الجمركية والجبائية؛

•            تشجيع الشباب على الاستثمار من خلال صندوق المبادرة المقاولاتية؛

•            تطور معتبر في شبكة الطرقات والمطارات والموانئ، بما تستصحبه من فرص تنموية .

2)         اجتماعيا:

•            اعتماد العديد من المبادرات الاجتماعية ذات الدلالة(دعم الأرامل/ التعويض عن فقدان الشغل/ الزيادة في المنح الجامعية…)؛

•            التفعيل العملي للتغطية الصحية والاجتماعية للمهنيين المستقلين/ الرفع غير المسبوق لميزانية القطاعات الاجتماعية لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم/ الزيادة من مبلغ منح الطلاب وتعميمها على طلاب التكوين المهني/ برنامج “تيسير”/ تعميم الدعم الاجتماعي للمتضررين من تفشي وباء كوفيد 19 وهم سبعة ملايين أسرة؛

•            الإسهام في إطلاق مشروع الحماية الاجتماعية الشاملة التي أعلن عنها جلالة الملك؛

3)         مؤسساتيا:

•            ضمان استمرار المرفق العمومي رغم حالة الإضرابات والانقطاع عن العمل؛

•            إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار؛

•            اعتماد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد(تقدم المؤشر الوطني لإدراك الرشوة)؛

•            إصلاحات تهم الإدارة العمومية( تبسيط المساطر/ رقمنة المعاملات الإدارية..)؛

•            اعتماد ميثاق اللاتمركز الإداري؛

4)         تدبيريا:

•            التدبير المقدر للأزمات غير المسبوقة التي شهدها المغرب والعالم، وهو ما يمكن استثماره بشكل كبير؛

•            تدبير تداعيات وباء كورونا بشكل استباقي/تشاركي/تضامني، جعلت من مطلب حماية حياة المواطن أولوية الأولويات؛

•            التدبير النوعي، وبإشراف مباشر لجلالة الملك، لأزمة ندرة الماء وشح التساقطات، وذلك من خلال سياسة استباقية ومبادرة وتشييد بنيات هيكلية مؤهلة لضمان الأمن المائي لبلادنا.

خامسا: الإكراهات والتحديات

ووعيا من حزب العدالة والتنمية أن مسار الإصلاح في سياق مثل السياق المغربي سياق تواجهه عدة صعوبات، وهي الصعوبات المرتبطة بخيار المشاركة في دولة ما زالت في طور البناء الديمقراطي والتطور الحقوقي.

وبالنظر إلى أن المغرب اختار خيار التعددية السياسية والحزبية، والتمييز ما بين هو سياسة عامة يقع في مجال قرار مؤسسات الدولة وبين السياسات العمومية التي هي مجال التدخلات الحكومية.

وانطلاقا من المنطلقات المنهجية التي تؤطر العمل السياسي للحزب ومنها مبدأ التراكم، فإن الحزب قد يسجل عددا من التحديات ومظاهر القصور التي تقتضي مواصلة العمل من أجل البناء الديمقراطي والإصلاح السياسي والتنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

إن التشخيص الموضوعي يقودنا إلى تسجيل المعطيات التالية:

•            أولوية القضية الوطنية وما تقتضيه من يقظة دائمة، وتعزيز للوحدة الوطنية والاصطفاف وراء جلالة الملك باعتباره رئيسا للدولة وممثلها الأسمى وضامنا لاستقلال البلاد ووحدتها الوطنية والترابية، وما يقتضيه ذلك من مقتضيات استراتيجية وسياسات ديبلوماسية وتنموية، والثبات على اختيارات الحزب الراسخة في هذا المجال وترسيخ  الانتماء الوطني للحزب، مع مواصلة انحيازه لقضايا الأمة وانفتاحه على محيطه الإقليمي العربي والإسلامي وتفاعله الواعي مع المحيط الدولي؛

•            الإساءة إلى الاختيار الديمقراطي الذي ارتضه بلادنا ثابتا دستوريا وتسجيل ارتداد عن المسار الديمقراطي الذي انخرطت فيه منذ عقود، وذلك باعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، مما سيساهم في إفراغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي الذي يقوم أساسا على الاقتراع الحر المعبر عنه من خلال التصويت، ومن جهة أخرى وبصرف النظر عن بعض التحسين الذي لحق مجمل القوانين الانتخابية إلا أن حذف العتبة في انتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية سيخلق وضعا غير مسبوق موسوما بالبلقنة وعدم استقرار الأغلبيات المسيرة في هذه المجالس، فضلا عن الهدر التنموي الذي سيكون نتيجة منطقية لهذا الاختيار التشريعي الذي أخلفت بلادنا به وبذلك القاسم الانتخابي المشوه الموعد مع التاريخ.  

•            بروز بوادر توجه لإفراغ اللاتمركز الإداري من مضمونه الديمقراطي، من حيث هو كونه ينبغي أن يسهم في تعزيز الجهوية المتقدمة، لكن ما يسجل هو التوجه نحو التركيز على التدبير التقنوقراطي وتعزيز دور المُعَيَّن على حساب المنتخب، وأيضا على مستوى الرؤية الناظمة لإصلاح المؤسسات العمومية، مما قد يسهم في تعزيز توجهات التشكيك في جدوى المشاركة السياسية ودور الفاعلين السياسيين، ويزيد من تعزيز تهميش  وتراجع دور مؤسسات الوساطة ويكرس ضعف الفاعل الحزبي والنقابي وتراجع قدرته على التأطير السياسي والاجتماعي؛ 

•            على المستوى الحقوقي: على الرغم من التطور العام الإيجابي الذي حققته بلادنا في المجال الحقوقي ومن القطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من مثل الاختطاف والتعذيب والاختفاء القسري، فما تزال تسجل بعض مظاهر المس بالحريات الفردية وبالمعطيات الخاصة، إلى جانب ما يبدو من بعض المحاكمات المبنية على أساس شكايات كيدية تستخدم لأغراض سياسية، وهي كلها أمور تشوش على المزاج السياسي العام وتضر بصورة بلادنا وبمكتسباتها السياسية والدستورية والحقوقية، مما يستلزم مزيدا من التحصين القانوني والعملي.

•            ضعف التقدم في التوزيع العادل للثروة، وعدم كفاية المجهود المبذول لتقاسم عوائد المجهود التنموي للبلاد، وذلك على الرغم من الجهد الكبير والمقدر في إنجاز المشاريع البنيوية والإصلاحات المؤسساتية والاقتصادية الكبرى والتي تحتاج إلى وقت كاف ليظهر أثرها في حياة المجتمع وحياة المواطنين، وهو ما يترجم أحيانا إلى قلق اجتماعي ومجالي، وخصوصا مع ارتفاع سقط المطالب الاجتماعية باستمرار. ومما يفاقم هذا الوضع وجود ثقافة مجتمعية تعتمد على الاتكال على المجهود العمومي للدولة وضعف المبادرة الحرة وروح المغامرة والإبداع.

سادسا: العرض السياسي للمرحلة

بناء على ما سبق، ومن أجل تأطير الاستحقاقات المقبلة، فإن العرض السياسي للحزب في هذه المرحلة يتعين أن يراعي عددا من الاعتبارات نذكر منها على وجه الخصوص:

1)         محددات العرض السياسي:

–            مراعاة لموقع الحزب في تدبير الشأن العام وطنيا وترابيا:

فالحزب دبر خلال العشرية الأخيرة الشأن العام الحكومي سواء من خلال تحمله مسؤولية قيادة الحكومة أو تدبيره لعدد من القطاعات الحكومية، كما دبر خلال الولاية الانتدابية 2015-2021 عددا كبيرا من الجماعات الترابية يتجاوز160 جماعة، ومنها على وجه الخصوص المدن الكبرى ذات نظام المقاطعات إضافة إلى أغلب المدن المتوسطة.

وهذا الأمر يقتضي منا الانتباه في عرضنا السياسي إلى المسؤولية السياسية للحزب بشأن الحصيلة السياسية والإصلاحية العامة للمرحلة، وكذا الحصيلة التدبيرية على مستوى العمل الحكومي وفي الجماعات الترابية. فالمسئولية الأخلاقية والسياسية للحزب تقتضي منه أن يدافع عن كسبه الإصلاحي العام وعن حصيلته التدبيرية وأن يصوغ عرضه السياسي في إطار هذا المنطق لا خارجه.

–            أن يكون الحزب مستوعبا أن المرحلة المقبلة ستعرف تناميا مضطردا للطلب على الإصلاحات الاجتماعية، وهو ما سيجعل من القضايا والمطالب الاجتماعية رهانها الأساسي، مما يقتضي الاستجابة لهذا التحدي؛

–            أن يستحضر الحزب المناخ السياسي العالمي والإقليمي الموسوم بالتراجع الديمقراطي، وما نتج عنه من تداعيات، ومن استرجاع للمبادرة من قبل مناهضي مسار التطور الديمقراطي للشعوب العربية.

ومما لا شك فيه أن هذا المناخ قد أثر بشكل أو بآخر في مسار التقدم الديمقراطي والحقوقي الوطني، مع ملاحظة أن التجربة المغربية قد حافظت إلى حد كبير على مسارها الديمقراطي، واستطاعت مقاومة عدد من الضغوط ومحاولات الاصطفاف مع الجهات المعادية للتحول الديمقراطي في المنطقة.

وهو الأمر الذي يقتضي منا الانتباه إلى أهمية مطلب تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز البناء الديمقراطي وتمنيع التجربة المغربية.

2)         المضامين الأساسية للعرض السياسي للمرحلة:

يمكن تحديد مضامين العرض السياسي الذي يتعين على الحزب تبنيه فيما يلي:

•            تعزير المكتسبات المتحققة في مجال الوحدة الترابية للمملكة وتمنيعها؛

•            تعزيز الإشعاع الدولي للمغرب والتصدي لجميع الاختراقات ومواصلة دعم القضايا العادلة للأمة؛

•            تعزيز الاختيار الديمقراطي والتصدي لدعوات النكوص عن مسار البناء الديمقراطي والتراجع عن المكتسبات؛

•            مواصلة العمل على تطوير الممارسة الحقوقية وتطوير ضماناتها؛

•            مواصلة العمل من أجل التضييق على الفساد وتجفيف منابعه وتطوير الحكامة والنهوض بها؛

•            الإسهام في بناء نموذج تنموي أصيل ومنصف ومستدام قوامه النهوض بالموارد البشرية وغايته تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وتعزيز العدالة الاجتماعية، وأفقه الانتقال بالمغرب إلى مصاف الدول الصاعدة؛

•            تسريع ورش الجهوية كرافعة لتحديث هياكل الدولة وتحسين الحكامة الترابية والتفعيل الكامل للنظام القانوني المؤطر لها مع العمل على تطويره وملاءمته؛

3)         العنوان الجامع للعرض السياسي للمرحلة ومفرداته:

وبناء على كل هذه المعطيات وعموم الحيثيات التي وردت في هذه الورقة، فإننا نقدر أن العرض السياسي للمرحلة ينبغي أن يتأطر بالشعار الجامع الآتي:

”جميعا من أجل تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية”

وهو شعار يكثف مضامين أساسية نقدر أنها ينبغي أن تبصم سلوك الحزب خلال هذه المرحلة، وهذا تفصيل وبيان لمضامين هذا الشعار:

•            ”جميعا”، للإشارة أن عرضنا السياسي ليس عرضا خاصا بطائفة حزبية تبني مسارا منعزلا ومنبثا عن عموم المواطنات والمواطنين، فتحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية هو مسؤولية تتعدى حزب العدالة والتنمية، بل هي تحديات تُسائل عموم المواطنات والمواطنين، وتتطلب تعبئة وطنية شاملة بعيدا عن أي نزوع هيمني أو أي مصادرة للإصلاحات عاكسة لتوجهات ذات صلة بالسياسة العامة للدولة، كما أنها ترجمة  لخيار الشراكة في الإصلاح ومواصلة للالتزام به.

•            ”تحصين الاختيار الديمقراطي”، وحينما نتحدث عن تحصين الاختيار الديمقراطي فنحن نستحضر أحد الاختيارات والثوابت الدستورية الجامعة، التي  جاء بها دستور 2011، وندعو إلى تعزيز وتحصين  هذا المكتسب الدستوري من خلال العمل المتواصل على بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون.

كما نؤكد من جهة أخرى على أنه بقدر ما تسجل مكتسبات في مسار البناء الديمقراطي والحقوقي، فإن هناك تهديدات تنذر بنكوص ديمقراطي، كما نراعي في نفس الوقت كوننا جزء من تدبير المرحلة بمكتسباتها وصعوباتها، ونتحمل بطريقة أو بأخرى المسؤولية عل قدر تموقعنا.

 كما أن تبني هذا الشعار سيكون مدخلا للنضال ضد كل المحاولات التي تهدف إلى النكوص عن الاختيار الديمقراطي والتراجع عن المكتسبات المحققة في هذا الشأن.

•            ”تعزيز مسار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية”، لأننا نستحضر المكتسيات التي تحققت خلال المرحلة وحصيلة التدبير والحكومي، ونستحضر في نفس الوقت ذاته أن الخصاص ما يزال قائما، والتأكيد على مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية من أجل تعزيز العدالة المجالية والعمل على تحقيق العدالة بين الفئات؛

•            “تعريز مسار الإصلاحات الحقوقية”: لتثمين المنجز الحقوقي الذي مكن بلادنا من القطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بفضل ما نتوفر عليه من ضمانات دستورية وقانونية ومؤسساتية، إضافة إلى التدابير المرتبطة بمنعها والمعاقبة عليها والوقاية منها، لكن في نفس الوقت لنسجل للأسف عددا من النواقص على مستوى ممارسة الحريات الفردية واستهداف الحياة الخاصة، مما جعل المنجز يعرف نوعا من البطء في بعض جوانبه، مما يطرح تحديات على مستوى ضمان فعالية منظومة الحماية الوطنية لحقوق الإنسان وعلى مستوى تملك ثقافة حقوق الإنسان لدى القائمين على إنفاذ القانون  مع التطلع لمزيد من الإصلاحات الحقوقية، وأنه مطلوب من بلادنا أن تُقْدِمَ على اقتحام عقبة الجيل الثالث من حقوق الإنسان وما يقتضيه ذلك من تحسين وتعميم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية من قبيل الحق في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والحق في البيئة الصحية والحق في الاتصال وحقوق التواصل، والحق في المشاركة في التراث الثقافي والحق في الاستدامة والإنصاف بين الأجيال.

يتعين أن تكون المرحلة القادمة مرحلة اعتكاف على تحقيق منجزات تتجاوب مع تطلعات المغاربة إلى مجتمع متضامن يتطور بشكل إرادي من خلال سياسات اجتماعية تضمن تقاسم ثمار النمو بعد الرفع من وثيرته ونسبه، وتقلص الفوارق المجالية والفئوية وتضمن لجميع المواطنات والمواطنين العيش الكريم.

4)         آليات تصريف العرض السياسي:

وحيث إن العرض السياسي يستهدف أولا تشكيل ثقافة مشتركة تمكن من قراءة وفهم مشترك للمرحلة ومقتضياتها ومتطلباتها، ومن ثم فهو يستهدف في المقام الأول مناضلي الحزب ومتعاطفيه، وحيث إنه في نفس الوقت هو إطار سياسي لتصوره الإصلاحي المتناسب مع المرحلة، وأنه يشكل التأطير السياسي للبرنامج الانتخابي، فإنه يتعين وضع الآليات المناسبة لتصريفه داخليا والتواصل بشأنه خارجيا مع مختلف الفاعلين في المشهد السياسي والإعلامي والثقافي والمدني.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *