أزمة سد النهضة… احتدام الخلافات رغم مسار طويل من المفاوضات
رغم سلسلة مفاوضات ماراتونية بين أطراف أزمة سد النهضة الإثيوبي ، مصر والسودان وإثيوبيا ، امتدت لسنوات، ما يزال التباين والاختلاف في وجهات النظر سيد الموقف بين هذه الأطراف، خصوصا بشأن كيفية وتوقيت ملء السد وكذا كيفية استغلاله أثناء فترات الجفاف والجفاف الممتد.
فطيلة الشهر الجاري ، عقدت الأطراف المعنية اجتماعات، تارة على مستوى وزراء الري والخارجية، وأخرى على مستوى اللجن الفنية والقانونية المنبثقة عن مفاوضات الاتحاد الإفريقي، في مسعى للتوصل إلى توافق حول النقاط الخلافية، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث.
وفي أعقاب هذه المفاوضات أكدت مصادر مصرية عدم تحقيق أي اختراق وأن المفاوضات ما تزال تدور حول حلقة مفرغة، لافتة إلى أن التباين بين الدول الثلاث يمتد أيضا إلى الصياغات المتعلقة بمحددات وكيفية وآلية فض المنازعات، وكذلك إلزامية الاتفاق.
وينتظر أن تتواصل اجتماعات اللجنة الفنية والقانونية طيلة الأسبوع الجاري في أفق تقديم تقرير نهائي عن سير المفاوضات إلى جنوب إفريقيا رئيس الاتحاد الإفريقي الجمعة المقبل.
وأكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري في مصر محمد السباعي، أن أزمة سد النهضة هي ” قضية أمن قومي”، مبرزا في تصريحات صحفية أن هناك نقطا خلافية جوهرية ما تزال قائمة بين الدول الثلاث بشأن الإجراءات الفنية والقانونية للسد.
وبحسب المتحدث، الذي تناقلت تصريحاته وسائل إعلام محلية، فإن الجانب المصري “تحمل كثيرا خلال أكثر من 10 سنوات في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، فيما الجانب الإثيوبي ليست لديه أية رغبة حقيقية حتى الآن في الوصول إلى نقاط توافق بشأن الملف”.
وعن كل هذا الجدل الذي يثيره السد ، يرى هاني رسلان ، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، أن مصر “باتت تدرك تماما أن السد الذي تسعى إثيوبيا لتشييده على النيل الأزرق، ليس من أجل التنمية أو توليد الكهرباء، بل هو أداة للهيمنة المائية على نهر النيل الذى يعد المصدر الرئيس للمياه في مصر”.
وتابع أنه من الواضح تماما أيضا أن هذه الهيمنة المائية هي عبارة عن تأسيس ومقدمة لهيمنة استراتيجية تسعى إليها إثيوبيا بحيث تصبح القوة الأكبر في منطقة القرن الإفريقي وفي حوض النيل كذلك، من خلال استخدام المياه كسلاح للضغط والإملاء والإكراه على كل من مصر والسودان.
وسجل رسلان، أن إثيوبيا تسعى لفرض سياسة الأمر الواقع على دولتي أسفل المجرى، السودان ومصر ، دون توقيع أي اتفاق يلزمها بكيفية التصرف في المياه المحتجزة خلف السد.
ويقع السد الذي تبلغ كلفته أكثر من أربعة مليارات دولار في غرب إثيوبيا على النيل الأزرق الذي يلتقي مع النيل الأبيض في العاصمة السودانية الخرطوم قبل مواصلة جريانه باتجاه مصر ليصب في البحر المتوسط.
وتخشى مصر والسودان من أن يؤثر تشييد السد بشكل سلبي على حصتهما من مياه النيل، خصوصا في سنوات الجفاف، حيث تعتمد مصر، التي يبلغ عدد سكانها 110 مليون نسمة على مياه النيل لقطاعي الري ومياه الشرب بنحو 97 بالمائة ، فضلا عن كون القاهرة تتمسك بحقوقها التاريخية في مياه النهر بموجب اتفاقيتين موقعتين في 1929 و1959.
وتصاعد الخلاف بشأن السد خلال الأشهر الأخيرة مع بدء إثيوبيا فعلا في ملء الخزان، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 74 مليار متر مكعب من المياه.
المخاوف المصرية من السد تستند لأساسين ، أولهما يتعلق بالسد ومدى ملاءمته مع ظروف المنطقة المشيد عليها ومدى جودة تصميمه ، حيث تتخوف القاهرة من انهيار السد مع ما لذلك من آثار وخيمة على مصر والسودان ، إذ يمكن لكمية المياه المندفعة من السد (74 مليار متر مكعب) أن تصل إلى القاهرة وتغرقها في خلال ثلاثة أيام.
أما التخوف الثاني ، فيتعلق بحجم المياه التي سيحجبها السد من حصة مصر البالغة 56 مليار متر مكعب سنويا ، وتأثير هذا على سكانها وأراضيها الزراعية.