أخنوش يلقي كلمة خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين
مجلس المستشارين، الثلاثاء 20 يونيو 2023
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم؛
السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
سعيد بالحضور معكم مرة أخرى في هذه الجلسة الشهرية الدستورية للإجابة على أسئلتكم، حضرات السيدات والسادة المستشارين، حول موضوع “ميثاق اللاتمركز الإداري ورهان العدالة المجالية والاجتماعية”.
وهو موضوع يندرج في إطار ورش كبير تشهده بلادنا في مجال التحديث المؤسساتي، وفي سياق مطبوع بالعديد من الإصلاحات الهامة التي تهم أنماط تنظيم وتنفيذ تدخلات الدولة، والتي تقتضي التجديد المستمر للمقاربات والآليات المعتمدة في مجال الحكامة والتنمية الترابية.
واسمحوا لي في البداية أن أستحضر هنا بأن بلادنا قطعت أشواطا مهمة منذ فجر الاستقلال في وضع اللبنات الأولى لإرساء الجهوية المتقدمة وتعزيز اللاتمركز الإداري.
باعتبارهما يمثلان ورشا حيويا لتعزيز الديمقراطية المحلية وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المستدامة والمندمجة وتعزيز سياسة القرب، إضافة إلى تبني مقاربة جديدة في وضع وتنفيذ السياسات العمومية تضمن التقليص من التفاوتات المجالية والترابية بين جهات وأقاليم المملكة.
وكما هو معلوم فقد حظي ورش اللاتمركز الإداري بعناية مولوية سامية من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بالنظر لأهميته الاستراتيجية ضمن الدينامية المؤسساتية المواكبة لتنزيل الجهوية المتقدمة، كما يشكل سندا لا مناص عنه لإنجاح ورش الجهوية، باعتباره خيارا استراتيجيا للدولة.
فقد دعا جلالته إلى التسريع في تنزيل مضامين الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، من خلال الرسالة الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة المنعقدة بأكادير في شهر دجنبر 2019، حيث أكد على ضرورة ” تعبئة كل الطاقات والانخراط الفعلي لكافة القطاعات الوزارية في تفعيل الميثاق، عبر التسريع من وتيرة إعداد التصاميم المديرية للا تمركز الإداري، والتي يجب أن تكون مبنية على نقل فعلي للاختصاصات الوظيفية والصلاحيات التقريرية إلى المستوى الجهوي” (انتهى منطوق خطاب جلالة الملك).
واستحضارا للتوجهات الملكية السامية، حرصت الحكومة على جعل الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري من المحاور الأساسية لتعزيز حكامة التدبير العمومي ببلادنا، واتخاذ إجراءات ملموسة لتحسين ولوج الجميع إلى الخدمات العمومية، والعمل على تقريب الإدارة من المواطنين، فضلا عن تطوير آليات اتخاذ القرار بشكل فعال وسريع مما يسمح بتطوير سياسات تقليص الفوارق المجالية في جميع القطاعات وتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، الشيء الذي سينعكس إيجابا على التنمية المستدامة والشاملة التي يطمح لها الجميع .
حضرات السيدات والسادة،
إن خيار اللامركزية الترابية الذي تبناه المغرب يتطلب بالأساس توفير الظروف القانونية والإدارية والمادية الضرورية للتنزيل الناجع لهيئات التدبير الترابي.
وفي هذا الإطار، جاءت مجموعة من الإصلاحات الدستورية والقانونية والبنيوية التي واكبت مسلسل اللامركزية الترابية، من أهمها المصادقة على المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، كدعامة أساسية لمساعدة الجماعات الترابية ومصالح الدولة اللاممركزة ومؤسساتها للقيام بالمهام المنوطة بها.
ولبلوغ الأهداف المتوخاة من هذا الميثاق، تتولى المصالح الخارجية التابعة للسلطة الحكومية على المستوى المحلي، وبتنسيق مع الوالي أو عامل العمالة أو الإقليم، تقديم كل أشكال الدعم والمساعدة للجماعات الترابية والهيئات ذات الاختصاص الترابي، والعمل على إرساء أسس شراكة فاعلة مع الجماعات الترابية وباقي المؤسسات الأخرى، كما تساهم أيضا في تنمية قدرات الجماعات الترابية ومساعدتها في ممارسة المهام المسندة إليها، وتعزيز آليات الحوار والتشاور مع كافة المتدخلين على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم.
وتقوم سياسة اللاتمركز على مرتكزين أساسيين:
الأول: وهي الجهة باعتبارها الفضاء المثالي لتنفيذ توجهات الدولة بالنظر لكونها تحتل مكانة الصدارة في التنظيم الترابي للمملكة.
أما المرتكز الثاني يمثله والي الجهة باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، وفاعلا مركزيا في تنسيق أنشطة المصالح الخارجية للوزارات والساهر على حسن سيرها ومراقبتها، وذلك بهدف تحقيق التقائية السياسات والبرامج العمومية بما يضمن النجاعة والفعالية على المستوى الترابي.
ويروم الميثاق تحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها:
أولا: مواكبة التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية المتقدمة، والعمل على ضمان نجاعته وفعاليته مع تعزيز آليات التكامل والتعاون والشراكة بين المصالح اللاممركزة للدولة والهيئات اللامركزية، ولا سيما منها الجماعات الترابية؛
ثانيا: تقريب الخدمات العمومية التي تقدمها الدولة إلى المرتفقين أشخاصا ذاتيين كانوا أو اعتباريين، وتحسين جودتها، وتأمين استمراريتها؛
ثالثا وأخيرا: التوطين الترابي للسياسات العمومية من خلال أخذ الخصوصيات الجهوية والإقليمية بعين الاعتبار في إعداد هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها، مع ضمان إلتقائيتها وتجانسها وتكاملها على مستوى الجهة وعلى مستوى العمالة أو الإقليم، وتحقيق التعاضد في وسائل تنفيذها.
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
عملت الحكومة منذ تنصيبها على تسخير كل الإمكانات والجهود لإنجاح ورش اللاتمركز الإداري، والانكباب على إعداد جيل جديد من الإصلاحات المتعلقة بالتحديث الإداري وفق برنامج عمل وأفق زمني محدد، جوهرها تبني سياسة جديدة ترتكز على إعطاء بعد ترابي لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الأمر الذي سيمكن، من الرفع من الاستثمار الترابي المنتج ويساهم في تأمين الإنصاف والعدالة الاجتماعية والمجالية في التدخلات التنموية.
ومن جهة أخرى، سيساهم في انبثاق عقد اجتماعي جديد ينخرط فيه كافة المتدخلين من فاعلين اقتصاديين ومؤسسات وجماعات ترابية ومصالح خارجية للوزارات ومواطنين بهدف تجاوز معيقات التنمية التي أسفرت عنها التجارب السابقة.
حضرات السيدات والسادة،
إننا في الحكومة نسجل بارتياح كبير ما حققته بلادنا من نتائج مهمة في تنزيل مضامين خارطة الطريق، بالرغم من بعض الصعوبات المتعلقة بتبعات الأزمة الصحية وكذا التغيرات المتعلقة بمراجعة الهيكلة الحكومية توخيا للرفع من نجاعة أدائها.
وإذا كان تفعيل الجهوية وصل إلى مراحل متقدمة فإنه كان من الضروري اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير التي عبر عنها الفاعلون الترابيون خلال تتبعنا لحصيلة تنزيل هذا الورش من خلال 8 محاور أساسية تهم:
أولا: استكمال ومراجعة الترسانة القانونية والتنظيمية المتعلقة بالجهات؛ حيث قمنا في هذا الإطار بتعديل المرسوم المتعلق بتحديد مسطرة إعداد برنامج التنمية الجهوية من أجل إحقاق التكامل مع سياسة اللاتمركز الإداري وذلك بالتنصيص على تفعيل دور اللجنة الجهوية للتنسيق في مسلسل إعداد البرنامج التنموي؛
ثانيا: تمكين الجهات من الموارد المالية المرصودة لها، حيث تجدر الإشارة أنه في السنة الماضية، تم تحويل ما يناهز 9.25 مليار درهم، أي حوالي 103% من الموارد المتوقع رصدها خلال سنة 2022؛
ثالثا: تتبع إعداد وتنزيل التصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية وعقود البرامج بين الدولة والجهات؛
رابعا: تفعيل ممارسة الجهة لاختصاصاتها، تنفيذا لالتزامات الأطراف الموقعة على الإطار التوجيهي لتدقيق الاختصاصات، بالاعتماد والمصادقة على خارطة الطريق من طرف لجنة القيادة الاستراتيجية، والتي تتضمن مجموعة من الآليات الإجرائية والعملية الهادفة إلى تمكين الجهة من تملك اختصاصاتها الذاتية والمشتركة على المدى القصير والمدى المتوسط؛
خامسا: تعزيز وتنظيم إدارة الجهة لتمكين الجهات من جذب كفاءات قادرة على النهوض بالمشروع الجهوي. مع إمكانية خلق مناصب ومسارات مهنية محفزة لاستقطاب كفاءات من القطاعين العام والخاص من أجل شغل مناصب المسؤولية بإدارة الجهة؛
سادسا: تمكين السادة الولاة ورؤساء مجالس الجهات من وسائل وآليات تهدف إلى تحقيق الإلتقائية في تصميم وهيكلة برامج ومشاريع التنمية، نذكر منها قاعدة البيانات الجغرافية وآليات للتتبع والقيادة اليومية؛
سابعا: مواكبة الجماعات الترابية لبلوغ حكامة جيدة في تدبير شؤونها وممارسة اختصاصاتها ؛
ثامنا: تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية: تم القيام بعدة إجراءات، أهمها تفعيل الإطار القانوني لممارسة الحق في تقديم العرائض على مستوى الجماعات الترابية، ووضع آلية موحدة لتلقي ملاحظات واقتراحات وشكايات مرتفقي الجماعات الترابية، وإعداد موقع إلكتروني نموذجي للجماعات لدعم التواصل والمشاركة المواطنة .
وقد حرصت الحكومة في هذا الصدد على تفعيل بعض المقتضيات على غرار تسريع إحداث ” الكتابة العامة للشؤون الجهوية”، وتعيين الكتاب العامين بكل جهات المملكة (11 جهة، جهة الداخلة واد الذهب في طور الإحداث )، كما تم وضع وتفعيل برنامج لمواكبة وتكوين أطر هذه الوحدات الجديدة لتمكينها من أداء مهامها كما هو محدد في الميثاق .
كما تنكب الحكومة حاليا، من خلال الحسم في بعض النقاط، على تدارك التأخر الحاصل. حيث كان من الضروري مراجعة بعض الجوانب المتعلقة على الخصوص بإعادة النظر في التمثيلية الترابية لبعض القطاعات الوزارية لإضفاء الطابع الجهوي عليها، وضرورة تفويض السلط للممثلين الجهويين للقطاعات الوزارية وتمكينهم من الموارد اللازمة، والتأكيد على التنزيل الجهوي للسياسات العمومية والاستراتيجيات القطاعية.
وعلى غرار هذا التصور الشمولي، صادق مجلس الحكومة بتاريخ 09 فبراير 2023 على مشروع مرسوم يتعلق بتفويض السلطة والإمضاء، وهو مرسوم يندرج ضمن الرؤية الحكومية الجديدة لإصلاح الإدارة على المستوى الترابي وجعلها أداة في خدمة المواطن والمقاولة والمستثمرين. ويكرس في نفس الوقت الدينامية التي أصبح يعرفها مسار تفعيل ورش اللاتمركز الإداري.
وبالإضافة لذلك، يتم استكمال الترسانة القانونية المتعلقة بتنظيم الإدارات المركزية واللاممركزة.
وفي هذا الإطار، صادقت اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري، خلال اجتماعها المنعقد يوم أمس على الصيغة النهائية للتمثيليات الإدارية المشتركة والقطاعية على الصعيد الجهوي والإقليمي، بعد مناقشتها مع القطاعات المعنية والتوافق حولها، لنتجاوز بذلك التعطل الذي عرفه هذا الجانب منذ سنة 2019.
حيث سيتم تجميع بعض القطاعات في إطار أقطاب إدارية جهوية وإقليمية تشكل وحدات إدارية مندمجة نظرا لترابط وتقارب اختصاصاتها، تحقيقا لمبدأ التعاضد المنصوص عليه في الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.
لتساهم هذه التمثيليات اللاممركزة في نسختها الجديدة، في تطوير وتحسين عمل الإدارة على الصعيد المحلي حتى تكون في مستوى تطلعات المواطنين، والمنتخبين، والسلطات المحلية وكذا هيئات المجتمع المدني.
وبهذا الإجراء ستتمكن بلادنا من تعميم تغطية المجالات الترابية بمختلف مستوياتها: الجهات، والعمالات والأقاليم بتمثيليات إدارية تمثل كل القطاعات الحكومية لتقريب جميع المصالح الإدارية من مختلف الفاعلين.
هذا وستعمل الحكومة على تحيين التصاميم المديرية، وتعزيز التدبير المالي اللامتمركز، على ضوء التنظيم الجديد للقطاعات الحكومية على المستويين المركزي والترابي، وذلك من أجل تدارك تفعيل الالتزامات المنصوص عليها بالتصاميم الأولية.
وتنبغي الإشارة هنا إلى أننا سنحرص خلال تحيينها، على الالتزام الفعلي للقطاعات الحكومية من أجل تفويض نسبة مهمة من الموارد المالية، لا تقل في مرحلة أولى عن % 30 من الميزانية القطاعية إلى المصالح اللاممركزة ( خلافا لما تم تفويضه سابقا حوالي % 6 فقط )، كي تتمكن من الاضطلاع بكافة اختصاصاتها وتحقيق أهداف سياسة اللاتمركز .
كما صادقت اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري على نقل 29 اختصاصا إضافيا متعلقا بالاستثمار إلى المجال الترابي، وذلك قصد التسريع بإنجاز هذا المكون المهم من عملية اللاتمركز الإداري الذي لم يتجاوز 30 % من أهدافه.
إن الأهمية التي يجدر إيلائها لورشي تفعيل الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري تترجم إرادتنا السياسية في تقوية قدرتها على الإجابة على مجموعة من الإكراهات التي تعيق تنزيل العديد من البرامج والاستراتيجيات التنموية على الصعيد الترابي.
ولا أدل على ذلك، النجاح الذي حققه برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، باعتباره إحدى أهم الشراكات الواعدة بين الدولة والجهات والمنسجمة مع مبادئ الجهوية المتقدمة وكذا التوجيهات العامة فيما يخص اللاتمركز الإداري.
ويوفر هذا البرنامج من خلال القطاعات المستهدفة مجالا خصبا لتفعيل الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجهات، على غرار: تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب والكهرباء وفك العزلة، وتأهيل العالم القروي في ميادين الصحة والبنيات التحتية والتجهيزات. وكذا بعض الاختصاصات الذاتية للجهات، خاصة تلك المتعلقة ببناء وتحسين وصيانة الطرق غير المصنفة.
وفي هذا الإطار، فقد تم خلال الفترة 2017 – 2023 العمل على إنجاز سبعة مخططات عمل سنوية مصادق عليها وموقعة بين اللجنة الوطنية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية واللجان الجهوية الاثني عشر بميزانية تقدر بــ 48 مليار درهم، ( أي ما يناهز 96 % من الميزانية المبرمجة إلى غاية 2023) وتعبئة ما قدره 38,5 مليار درهم من الاعتمادات المالية بمعدل 77 % من الغلاف المالي المبرمج.
وتجدر الإشارة أنه، إلى حدود نهاية 2022، تم الشروع في إنجاز 9.499 مشروع بالجماعات الترابية التابعة للمجال القروي، تشمل 8.207 مشروع للبنيات التحتية و1.292 عملية اقتناء للعربات المتنقلة (سيارات الإسعاف، الوحدات المتنقلة، حافلات النقل المدرسي، والمعدات الطبية والمدرسية). وقد تم إلى حدود نهاية 2022 الانتهاء من الأشغال بــ 6.535 مشروع.
وتتجلى أهم الإنجازات المادية في بناء وصيانة أزيد من 18.300 كيلومتر من الطرق والمسالك، وكذا بناء وصيانة 165 منشأة فنية، وأزيد من 745 من البنيات التحتية لقطاع الصحة، و 2.743 من البنيات التحتية لقطاع التعليم.
كما عرف التزويد بالماء الصالح للشرب إنجاز وصيانة 655 منظومة مياه للشرب وكذا الربط الفردي أو المختلط أو عبر النافورات من خلال 25.236 عملية، علاوة على كهربة أكثر من 967 دوار .
كما شملت الإنجازات المادية تجهيز البنيات التحتية بــ 631 و 109 عملية على التوالي بكل من قطاعي الصحة والتعليم، إضافة لاقتناء 759 من سيارات الإسعاف والوحدات الطبية المتنقلة، وكذا 886 من عربات النقل المدرسي .
السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، واصلت الحكومة من خلال الميثاق الجديد للاستثمار تعبئة المجهود الاستثماري للدولة وتحفيز الاستثمار الخاص، بالنظر لمكانة الاستثمار في الخروج من الأزمة، وباعتباره آلية مهمة لترسيخ دعائم الدولة الاجتماعية وإرساء اقتصاد وطني محفز ومنصف ومستدام.
ولبلوغ الأهداف الاستراتيجية لهذا الورش، فقد بادرنا إلى اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير، أبرزها منح الأولوية للمشاريع الاستثمارية المنتجة لفرص الشغل، والأخذ بعين الاعتبار مبدأ الإنصاف الترابي في توزيع الاستثمارات، وتشجيع الاستثمارات الواعدة بالنسبة للاقتصاد الوطني مستقبلا، إضافة إلى إقرار نظام دعم جديد يعزز حوافز الاستثمار.
وحتى يساهم ميثاق اللاتمركز في دينامية الاستثمار، قررنا في الحكومة تبني جيل جديد من الإصلاحات المتعلقة بتبسيط المساطر الإدارية ورقمنتها.
وهكذا فقد صادقت اللجنة الوطنية لتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية على تبسيط 22 قرارا إداريا عبر المنصة الرقمية للمراكز الجهوية للاستثمار، أي بنسبة 45 % من الوثائق الأكثر تداولا لدى المستثمرين .
وفي سياق توفير كل عوامل نجاح منظومة الاستثمار ببلادنا، عملنا على تبسيط أكثر من 50 من الوثائق المتعلقة بالعقار المرتبط بالاستثمار، و33 من رخص التعمير، بالإضافة إلى 45 من وثائق رخص الاستغلال.
وقد أخذت الحكومة على عاتقها، ضمن هذا المنظور الإصلاحي لمنظومة الاستثمار في انسجام مع ميثاق اللاتمركز الإداري، تفعيل تصور جديد للمراكز الجهوية للاستثمار بعد مرور 4 سنوات على صدور القانون الخاص بها، يقوم على تعزيز دور هذه المراكز وتمكينها من تلقي ملفات المستثمرين وإعداد اتفاقيات الاستثمار، والعمل على تسهيل الحصول على توقيعات مختلف الأطراف والمساهمة في عمليات تتبع هذه المشاريع الاستثمارية .
وتحقيقا للتفاعل السريع والاستجابة الفورية لطلبات المستثمرين، سيتم البث في ملفات الاستثمار المتراوحة قيمتها ما بين 50 و 250 مليون درهم على الصعيد الجهوي، حيث سيتم تمكين اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار من مختلف الآليات للتسريع بالمصادقة على ملفات ومشاريع الاستثمار في آجال معقولة.
وتماشيا مع هذا التوجه الحكومي، صادقت الحكومة على مجموعة من المراسيم المهمة، من بينها المرسوم المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، التي تسلمها الجماعات الترابية فيما يتعلق بالقرارات الإدارية التي تسلمها الجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها. ويهدف هذا المرسوم إلى حصر لائحة القرارات الإدارية التي يعتبر سكوت الإدارة فيها، بعد انصرام الأجل المحدد، بمثابة موافقة، وكذا القرارات المتعلقة بالاستثمار.
كما حرصنا على الرفع من درجة الالتزام الحكومي وتسريع وتيرة تفعيل ورش تبسيط المساطر الإدارية، والنهوض بعمل الإدارات في علاقاتها مع المرتفقين. وذلك من خلال:
جرد وتدوين ما يناهز 2.700 قرار إداري ونشرها بالبوابة الوطنية IDARATI.MA؛
مواصلة تطوير البوابة الوطنية للمساطر والإجراءات الإدارية “Idarati.ma”، وتتبع تنفيذ الإجراءات التبسيطية على أرض الواقع؛
إضافة إلى إصدار مجموعة من المراسيم تتعلق بــ:
تحديد مجموعة من القرارات الإدارية التي تسلمها الجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها؛
تحديد 281 قرارا إداريا وتقليص آجال معالجتها وتسليمها للمستثمرين في مدة لا تتعدى 30 يوما فقط؛
جرد وضبط 268 مسطرة ترخيص، التي تقتضي معالجتها تمديد آجالها القانوني، لإنجاز خبرة تقنية وبحث عمومي؛
تحديد 81 قرارا إداريا الذي يعتبر سكوت الإدارة بعد مرور آجال تسليمها بمثابة موافقة ضمنية.
وإذا كانت بلادنا ولله الحمد قطعت أشواطا مهمة في تنزيل ميثاق الاستثمار، فإننا مدعوون اليوم إلى الإسراع بتفعيل خارطة طريق اللاتمركز وانخراط القطاعات الوزارية في نقل الاختصاصات المتعلقة بالاستثمار.
وفي نفس الوقت، عملت الحكومة على نهج سياسة متوازنة عبر التوزيع العادل للمشاريع المهيكلة والبنيات التحتية في كل مناطق المملكة مع استحضار خصوصيات كل منطقة على حدة.
ومن تم، صادقت الحكومة على مجموعة من الاتفاقيات بهدف إنجاز مشاريع إحداث مناطق صناعية على مساحة إجمالية تقدر بــ 1200 هكتار، تهم 12 مشروعا موزعة على سبع جهات، يتعلق الأمر بجهة الداخلة وادي الذهب، وجهة فاس مكناس، وجهة الشرق وجهة طنجة الحسيمة، وجهة الرباط سلا القنيطرة، وجهة كلميم واد نون، فيما تدرس حاليا مجموعة من مشاريع البنيات التحتية الصناعية بباقي الجهات التي لم يتم التوقيع عليها بعد .
ومن أجل تحقيق الأهداف المرجوة من الميثاق، تم اعتماد منظومة مبتكرة للتمويل ترتكز على أنظمة لدعم الاستثمار تشمل نظاما أساسيا وأنظمة خاصة تشمل كل أنواع الاستثمارات وجميع المجالات الترابية بدون استثناء، وهو ما يشكل انتقالا نوعيا في أنظمة الاستثمار من خلال مأسستها وتتبع نتائجها للقطع مع برامج وآليات سابقة كانت تفتقر للوضوح والالتقائية .
كما يتضمن النظام الأساسي لميثاق الاستثمار ثلاثة أشكال من المنح، هي المنح المشتركة للاستثمار والمنح القطاعية والمنح الترابية، التي نستهدف من خلالها تحقيق العدالة المجالية في توزيع الاستثمارات.
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
إن الحكومة بما تملكه من مسؤولية سياسية ماضية في تنزيل مختلف الأوراش والإصلاحات ذات الأولوية لدى المواطنات والمواطنين، وفق منظورها القائم على تنزيل الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري.
فاستحضارا منا للبعد الجهوي في إنجاح ورش القطاع الصحي وإعادة النظر في الرؤية التي كان يسير بها هذا القطاع، عملت الحكومة على خلق مجموعات صحية ترابية لضمان استغلال أمثل للموارد البشرية والمالية وتوجيه الاستثمارات العمومية وفق معايير مضبوطة ومحددة في انسجام وتكامل مع منهج الجهوية المتقدمة بما يحقق العدالة المجالية على المستوى الصحي في تراب المملكة.
كما تعمل الحكومة على إحداث الخريطة الصحية الجهوية، لتحديد مؤهلات كل الجهات من حيث البنيات التحتية في القطاع العام والخاص والموارد البشرية، الأمر الذي سيساعد المجموعات الصحية الترابية في تحديد أولويات الاستثمار في مجالات الصحة.
وفي قطاع التعليم، تعمل الحكومة من خلال “المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي “، على إرساء نموذج جامعي جديد ومتجدد من خلال بناء أقطاب جامعية جهوية مندمجة، وذلك بما يتماشى مع أهداف الجهوية المتقدمة، من أجل جعل الجامعة رافعة لتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الترابي ومصدر جذب للجهات التي تنتمي إليها، وذلك أخذا بعين الاعتبار الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لكل جهة من أجل إرساء عدالة ترابية فعالة.
كما قامت الحكومة باستحضار البعد الجهوي في تنزيل خارطة الطريق الاستراتيجية الوطنية لقطاع السياحة برسم الفترة 2023 – 2026، وذلك من خلال إطلاق مجموعة من اللقاءات الجهوية، التي تشكل مناسبة لالتقاء كافة الأطراف المعنية للدراسة والتبادل حول الإطار العام ومختلف محاور وأهداف هذه الخارطة الوطنية للسياحة.
وفي هذا الإطار، تلعب السلطات المحلية دورا قياديا من خلال لجنة تتبع تنفيذ المخططات الجهوية ومواكبة إنجاز المشاريع الرئيسية، إضافة إلى السهر على توفير شروط تنمية مختلف سلاسل العرض السياحي، كما تساهم لجنة التتبع في أشغال مختبرات الدفع المكلفة بتنمية السلاسل السياحية وكذا هيئات التنشيط الجهوية .
ومن جهة أخرى، تعمل الحكومة على تحقيق العدالة المجالية في الموارد المائية في استحضار تام للبعد الترابي، من خلال تفعيل مشاريع الربط بين المنظومات المائية عبر مختلف ربوع المملكة، لتجاوز تركيز الواردات السطحية في مناطق معينة دون غيرها.
ولرفع تحدي الإجهاد المائي الذي تعرفه بلادنا في ظل تأثير التقلبات المناخية واستمرار الجفاف، وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، تم إجراء تعديلات على البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، حيث تم رفع التكلفة الإجمالية للبرنامج من 115 مليار درهم إلى 143 مليار درهم. وقد همت التعديلات المحدثة مشاريع مهيكلة لفائدة جميع أقاليم المملكة، نخص بالذكر:
أولا، مشاريع الربط ما بين الأحواض المائية: وعلى رأسها مشروع تحويل فائض المياه من حوض سبو إلى حوضي أبي رقراق وأم الربيع.
ثانيا، مشاريع محطات تحلية مياه البحر: فبالإضافة للمحطات التي توجد في طور الإنجاز بكل من آسفي، الجديدة، سيدي إفني، الداخلة، سيدي الغازي وطرفاية، فقد تمت برمجة إطلاق 10 محطات جديدة لتحلية مياه البحر ابتداء من هذه السنة.
واستحضارا للعلاقة الوطيدة بين التهيئة الترابية والتنمية الجهوية، وبالنظر للصلاحيات المخولة للمجالس الجهوية في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب في إطار السياسة العامة للدولة وبتشاور مع الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وباقي الفاعلين، كان للحكومة التدخل الإيجابي في اتجاه تعزيز الجهود المبذولة.
في هذا الصدد، عملنا على إعداد مرجع نموذجي لضابطة التهيئة اعتمد المرونة والملائمة مع الأخذ بعين الاعتبار الرهانات المجالية الجديدة وتتبع وتقييم تنفيذ التوجهات الكبرى والارتقاء لجيل جديد من وثائق التعمير.
من جهة أخرى، تم تقديم الدعم التقني والمالي لإنجاز التصاميم الجهوية لإعداد التراب، وذلك من خلال دراسة ملفات مشاريع التصاميم الجهوية المذكورة، حيث تم لحد الآن، التأشير على المقررات المتخذة بشأن مشاريع التصاميم الجهوية لإعداد التراب لتسع ( 9 ) جهات .
وارتباطا بموضوع التعمير والإسكان وفي إطار ترسيخ الجهوية المتقدمة، شكل الحوار الوطني حول الإسكان والتعمير الذي أطلقته الحكومة في شتنبر 2022، طموحا مشتركا للخروج بتوصيات ومقترحات عملية لإعداد سياسات عمومية جديدة للقطاع.
الشيء الذي جعل من الورشات الجهوية أرضية حقيقية تجمع كافة المتدخلين والخبراء وفعاليات المجتمع المدني المعنيين بقضايا التعمير والإسكان، عبر الاستشارة وإبداء الرأي في محاور أساسية تهم التخطيط وحكامة القطاع وتقليص الفوارق الترابية والإنصاف وتحقيق العدالة المجالية، ومن تم شكل هذا الحوار فرصة مهمة لتلبية متطلبات التنمية الجهوية في جميع أبعادها .
حضرات السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
من منطلق مسؤوليتنا، فقد جعلنا من إشكالية التشغيل أولوية حكومية عبر خلق مبادرات مبتكرة، اتخذنا على إثرها تدابير ملموسة لتجاوز آثار الأزمة الصحية على التشغيل، وهو توجه يستحضر العدالة المجالية في توزيع برامج التشغيل والإدماج الاقتصادي.
وللنهوض بهذا القطاع على المستوى الترابي، عملت الحكومة على إعداد 9 برامج جهوية للتشغيل، لتحديد الأولويات في مجال إنعاش الشغل، على أساس رؤية شمولية، مندمجة، منسجمة وتشاركية، مع اقتراح تدابير ملموسة يتم تنفيذها لتنزيل الرؤية المذكورة في إطار تعاقدي مع الجهات الفاعلة المعنية.
كما قامت الحكومة بتوقيع 12 اتفاقية مع الجهات لتعزيز التشغيل على المستوى الجهوي. ويأتي دعم الحكومة للتشغيل في العالم القروي ضمن الرؤية الشمولية للقطاع، من خلال تحسين قابلية التشغيل عبر البرنامج الذي أطلقته الوكالة الوطنية للتشغيل والكفاءات، الذي تمت بموجبه مواكبة 4.421 حامل فكرة مشروع، وإتمام 2.749 ملف دراسة الجدوى، ووضع 1.922 ملف للتمويل في الوسط القروي.
كما عملت الحكومة على تعزيز البعد الترابي لخلق فرص الشغل من خلال برنامج ” أوراش”، والذي يستهدف المقصيين من الشغل وتحسين قابلية إدماجهم الاقتصادي بعد الجائحة الصحية، وذلك بشراكة مع القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والمجتمع المدني، بغلاف مالي يقدر ب 2.25 مليار درهم برسم سنة2023 .
وفي ذات السياق، شكل برنامج ” فرصة ” آلية مهمة لتحقيق التوازن بين جهات المملكة في الاستفادة من فرص الشغل وخلق مقاولات لدى فئات عريضة من الشباب المغربي، إذ تم تسجيل أكبر عدد من الطلبات بالمدن الصغرى والعالم القروي، وهو ما يبرز نجاح البرنامج في تحقيق العدالة المجالية وإعطاء دفعة قوية للاقتصادات المحلية.
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
من خلال هذا العرض الذي قدمته أمامكم، يتضح أن الحكومة جعلت من ورش اللاتمركز منهاجا لعملها، استجابة منها للتوجيهات الملكية السامية المعبر عنها في خطاب افتتاح الدورة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشر الذي دعا فيه جلالته إلى ” ضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري، وتبسيط ورقمنة المساطر، وتسهيل الولوج إلى العقار، وإلى الطاقات الخضراء، وكذا توفير الدعم لحاملي المشاريع. ولتقوية ثقة المستثمرين في بلادنا، كوجهة للاستثمار المنتج “.
وفي الختام، أود أن أعرب لكم عن افتخارنا في الحكومة بالجيل الجديد من المدبرين العموميين على المستوى الجهوي والترابي، ممن لهم من الكفاءة والطموح ما يؤهلهم لاستكمال إنجاح تنزيل ورش اللاتمركز، بما يضمن التقليص من التفاوتات المجالية والترابية ومحاربة الفقر والهشاشة، خدمة لمسار التنمية ببلادنا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته