أخنوش يلقي كلمة خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين حول موضوع “السياسة السياحية الوطنية”.. تعرف على التفاصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
ونحن اليوم، نجدد اللقاء في هذه الجلسة، استنادا إلى أحكام الفصل 100 من الدستور، وهي الأولى من نوعها في الدورة الربيعية الحالية، أغتنم الفرصة لأتوجه بالشكر للسيدات والسادة المستشارين على اختيارهم موضوع “السياسة السياحية الوطنية”، ليكون محورا لهذه الجلسة الشهرية.
ولا بد في البداية أن نستحضر أن قطاع السياحة يحظى بعناية خاصة من طرف جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بالنظر لكونه يشكل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني من حيث مساهمته المهمة في الناتج الداخلي الخام، ولما له من دور في كسب التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وخلق فرص الشغل، وجلب العملة الصعبة. مما يجعل الرهان عليه أمرا ضروريا، من خلال سياسة متجددة ومستدامة، تأخذ بعين الاعتبار توجهات السياحة العالمية، وتحديات العولمة والتطورات المحتملة للاقتصاد العالمي.
وهو ما أكده جلالته في رسالته السامية الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية للسياحة سنة 2009، حين أكد حفظه الله حرصه على ” ضمان المناخ المناسب لخلق دينامية دائمة داخل القطاع السياحي، وتدعيم حيويته وتنافسيته”، داعيا جلالته إلى ” المزيد من التعبئة وتضافر الجهود، من أجل تطوير الصناعة السياحية ببلادنا، باعتبارها قطاعا يحظى بالأولوية في سياستنا الاقتصادية فضلا عن كونه يفتح آفاقا واعدة، في مجال توفير فرص الشغل للشباب “. (انتهى كلام صاحب الجلالة) .
كما أولت الحكومة منذ تعيينها من طرف جلالة الملك وتنصيبها من طرف البرلمان، أهمية خاصة للقطاع، كونه أحد محركات الاقتصاد الوطني، وعملت منذ أيامها الأولى على تنفيذ خطة إنعاش غير مسبوقة غايتها دعم الفاعلين وتثمين المنتوج المغربي والارتقاء بالتكوين، وذلك بتنسيق مع فاعلي القطاع، وهو ما سنتعرف على تفاصيله خلال هذه المداخلة .
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
كما هو معلوم، فقد تأثر قطاع السياحة بشدة إثر أزمة كوفيد، الأمر الذي كان له تداعيات سلبية وخيمة سواء على التشغيل أو على أداء قطاعات أخرى مرتبطة به بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد انخفض على سبيل المثال عدد السياح الوافدين على بلادنا بنسبة 79 % سنة 2020، و 71 % سنة 2021 مقارنة مع سنة 2019 التي كانت سنة مرجعية، وهو ما شكل خسارة كبيرة تقدر بــــــــ 90 مليار درهم بالنسبة لمداخيل بلادنا من العملة الصعبة .
ولمواجهة هذه الأزمة عملت الحكومة بشكل استعجالي وتشاركي مع المهنيين والمتدخلين في القطاع على تنفيذ مخطط استعجالي بقيمة 2 مليار درهم، في عز الأزمة الصحية العالمية، في سابقة هي الأولى من نوعها ببلادنا، لمواكبة التعافي والإقلاع الاقتصادي، وهو ما مكن من إنقاذ القطاع من الانهيار في ظرفية اقتصادية عالمية صعبة وقاسية.
وقد تكلل المخطط الاستعجالي الذي وضعته الحكومة بالنجاح، حيث مكن من دعم فاعلي القطاع السياحي، ومساعدة المقاولات السياحية على تجاوز الآثار السلبية لجائحة كورونا، والحفاظ على مناصب الشغل.
وشمل هذا المخطط 5 تدابير أساسية تخص تمديد صرف التعويض الجزافي، وتأجيل أداء الاشتراكات المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لمدة 6 أشهر، وتأجيل آجال تسديد القروض البنكية، وإعفاء أصحاب الفنادق من الضريبة المهنية المستحقة بالنسبة لسنتين، وأخيرا تخصيص غلاف مالي بقيمة مليار درهم لدعم إعادة تأهيل المؤسسات الفندقية، والذي شهد انخراطا مهما للمهنيين، واستفادت منه 737 مؤسسة إيواء سياحي، بشكل ساهم في الحفاظ على جودة الخدمات المقدمة للسياح وتحسينها بعد الفتح الكلي للأجواء الوطنية .
من جهة أخرى عملت الحكومة على تسخير كل الإمكانيات المادية والبشرية واللوجيستيكية والتنظيمية لإنجاح ” عملية مرحبا”، وفق مقاربة تشاركية وتعبئة شاملة لمختلف المتدخلين، وذلك ترجمة للرؤية الملكية السديدة ولتوجيهات جلالته لتجويد الخدمات المقدمة للجالية المغربية بالخارج والنهوض المستمر بظروف استقبالها .
كما تم اعتماد ” التأشيرة الإلكترونية ” كنظام جديد يهدف إلى تيسير حصول المستفيدين منه على تأشيرة الدخول للمملكة المغربية، حيث تم فتح إمكانية الحصول عليها لفائدة مواطني 49 دولة، وتم إلى حد الآن منح أكثر من 80.000 تأشيرة إلكترونية.
وبفضل هذه المجهودات المبذولة، والتدبير الجيد لفترة ما بعد الجائحة، إضافة إلى النجاح الكبير لعملية التلقيح، فقد عرفت بلادنا انتعاشة قوية جدا بعد فتح الحدود، في شهر مارس 2022، حيث استقبل المغرب في الفترة الممتدة ما بين مارس ودجنبر 2022 حوالي 11 مليون سائح، بنسبة ارتفاع بلغت + 292 % مقارنة بسنة 2021، و + 391 % مقارنة بسنة 2020.
وبالتالي استعاد القطاع في ظرف 10 أشهر فقط، ما نسبته 84 % من السياح، مقارنة بسنة 2019 بكاملها، والتي كانت تعتبر سنة مرجعية، ونسبة الاسترجاع هاته أعلى من النسبة العالمية المتوسطة للاسترجاع والتي تقدر بنحو 63%.
كما تضاعف عدد ليالي المبيت المسجلة في مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة مقارنة مع 2021 ليفوق 19 مليون ليلة مبيت، أي بنسبة زيادة وصلت إلى + 192 %. وبلغت السياحة الداخلية نسبة 50 % من عدد الوافدين على مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة مقارنة مع 38 % قبل الأزمة.
وفاقت عائدات السياحة بالعملة الصعبة سقف 93,6 مليار درهم متم سنة 2022 بنسبة قدرها 119 % مقارنة مع 2019، و 170% مقارنة بـ 2021.
كما تواصل جميع المؤشرات وتيرتها التصاعدية بداية هذا العام، حيث تم تسجيل ارتفاع قدره + 17 % في عدد السياح الوافدين متم شهر فبراير 2023 مقارنة مع نفس الفترة من 2019 . كما تجاوزت عائدات السياحة بالعملة الصعبة، خلال شهري يناير وفبراير من هذه السنة، 16 مليار درهم مسجلة ارتفاعا قدره 51 % مقارنة بنفس الفترة من 2019 وأزيد من 400 % مقارنة بشهري يناير وفبراير من السنة الماضية.
بالموازاة مع كل الإجراءات الاستعجالية التي تم اتخاذها خلال الجائحة، انخرطت الحكومة مباشرة بعد فتح الحدود في اتخاذ مجموعة من التدابير اللازمة لإنعاش النشاط السياحي وتطويره:
حيث عملت على إطلاق حملات ترويجية واسعة لتسويق المؤهلات السياحية للمغرب على المستوى المحلي والعالمي، والارتقاء بوجهة المغرب بكافة الأسواق الاستراتيجية. وفي هذا الإطار، تم إطلاق الحملة الترويجية ” نتلاقو في بلادنا “، والتي سعت إلى تشجيع مغاربة الداخل والخارج على اكتشاف المؤهلات والثروات السياحية للمغرب. كما تم إطلاق العلامة التجارية ” Visitmorocco ” المخصصة للسياحة الدولية، إضافة لعلامة” المغرب مملكة الأنوار”، التي تم إطلاقها على مستوى 20 دولة في آن واحد.
وتهدف الحكومة من خلال هذه الحملات الترويجية إلى تعزيز إشعاع المملكة، والترويج للسياحة المغربية على المستوى العالمي، والانفتاح على أسواق جديدة خاصة منها الأمريكية والآسيوية.
وحتى تكون هذه الحملات أكثر نجاعة، فقد عملت الحكومة على الانخراط في عدد من الشراكات الاستراتيجية مع مجموعة من الشركاء الدوليين، لتسريع وتيرة تطوير القطاع، واستقطاب السياح من أسواق مختلفة، وتأمين رحلات جوية إضافية بهدف الرفع من عدد المقاعد، إضافة إلى تعزيز رقمنة القطاع، واستثمار مختلف دعامات التواصل الحديثة .
ومن جهة أخرى تعمل الحكومة على تأهيل الرأسمال البشري العامل بالقطاع السياحي، من خلال تمكينه من مواكبة التوجهات والتطورات العالمية لتحقيق التميز، لاسيما في ظل محيط يتميز بالتنافسية، لأننا مقتنعون أنه لا يمكن أن نكسب رهانات تطوير القطاع إلا بفضل موارد بشرية مؤهلة، تسهم بفعالية في تحقيق هدف الجودة المنشود في القطاع السياحي، وهو ما حرصنا عليه من خلال:
أولا: تثمين التخصصات في مهن السياحة الجديدة والهندسة السياحية، إلى جانب تخصص الفندقة، التي نعمل على تطوير مضامينها ومهاراتها بما يستجيب للحاجيات المتجددة للنسيج السياحي؛
ثانيا : العمل على استكمال مشاريع توسعة وتأهيل معهدي طنجة وورززات من خلال تجديد البنيات التحتية والمعدات البيداغوجية والمصاحبة التقنية وتقوية قدرات الموارد البشرية، في إطار شراكة مع مؤسسة تحدي الألفية ( (MCC؛
ثالثا : تطوير وتعزيز العرض التكويني للمؤسسات التابعة للقطاع من خلال خلق عدة شعب جديدة، ومراجعة شاملة لبرامج تكوين الشعب الكلاسيكية بما يتلاءم ومتطلبات المهنيين ؛
رابعا: إحداث 9 مدن للمهن والكفاءات التي تحتوي على فروع للسياحة.
حضرات السيدات والسادة،
ولتعزيز حكامة القطاع السياحي، عملت الحكومة على تطوير المنظومة التشريعية للقطاع، عبر إصدار مجموعة من النصوص، على غرار المرسوم المتعلق بتنظيم مهنة وكيل الأسفار، والمرسوم المتعلق بتنظيم مهنة المرشد السياحي، والمرسوم المتعلق بتطبيق القانون القاضي بسن إجراءات خاصة تتعلق بالإقامات العقارية للإنعاش السياحي، إضافة لمرسوم يتعلق بمعايير البناء الخاصة بمؤسسات الإيواء السياحي وذلك بهدف تبسيط المساطر الإدارية المتعلقة بمنح التصنيف لجميع أنواع الإيواء السياحي بما فيها القصبات والإيواء البديل، لإدماجها في القطاع المهيكل لتحسين التأطير والتتبع والمراقبة من أجل توفير عرض سياحي ملائم وبجودة عالية.
وترسيخا للتوجه الحكومي الهادف إلى جعل القطاع أكثر تنافسية وقدرة على مواكبة تطلعات المرحلة، عملت الحكومة على توفير منح تحفيزية من أجل خلق مقاولات صغيرة ومتوسطة في القطاع السياحي. وفي هذا الإطار تم توقيع اتفاقيتي شراكة مع جهتي كلميم وادنون وسوس ماسة، بقيمة 200 مليون درهم، لفائدة 250 مقاولة سياحية صغرى ومتوسطة على مدى ثلاث سنوات بهدف خلق 1.100 منصب شغل مباشر، (كمرحلة أولية في انتظار تعميمها على باقي الجهات).
كما تواصل الحكومة جهودها لتطوير المنتوج وتشجيع الاستثمار السياحي من خلال تقديم المساعدة التقنية والدعم المالي لإنجاز مدارات سياحية بالمجالين القروي والحضري، إضافة إلى العمل على تسريع إنجاز المشاريع الكبرى للاستثمار عبر مواصلة إنهاء وحدات عالية الجودة بمحطة تغازوت، إضافة إلى الاستمرار في استقطاب علامات تجارية متميزة بكل من مراكش والرباط والحسيمة وأكادير وتازة.
من جهة أخرى، وجهت الحكومة تدخلات الشركة المغربية للهندسة السياحية، لملاءمة العرض مع أهمية ونوعية الطلب، والتركيز على تشجيع الاستثمار العام والخاص وتطوير الشراكات في مختلف جهات المملكة، كما نراهن في ذات السياق على الميثاق الجديد للاستثمار لجلب استثمارات سياحية مهمة نظرا لما يقدمه من تحفيزات مشجعة.
وبفضل هذه المجهودات المبذولة تم تسجيل ارتفاع تدريجي في حجم الاستثمار مقارنة بالأرقام المسجلة في سنوات ما قبل الأزمة، حيث وصلت إلى 7 مليار درهم من الاستثمار سنة 2022، مع خلق حوالي 10.000 سرير إضافي.
حضرات السيدات والسادة المستشارون المحترمون،
كما لا يخفى عليكم فإن القطاع السياحي هو قطاع سريع التأثر بالأزمات، وهو ما استخلصنا دروسه خلال الجائحة التي عرفتها بلادنا على غرار باقي دول العالم، مما بات يستدعي وضع تصور شمولي حول نموذج مغربي مبتكر لسياحة مستدامة قادرة على مواجهة التحديات على اختلاف أشكالها، سواء الصحية منها، أو البيئية، أو الاقتصادية.
وفي هذا الإطار، تعمل الحكومة على تنويع العرض السياحي وملاءمته مع المتطلبات الجديدة للسياح خاصة فيما يخص السياحة الثقافية والقروية والجبلية والإيكولوجية، مما سيمكن بلادنا من استقطاب شريحة متنوعة من الزوار على مدار السنة.
ففي ما يتعلق بالسياحة الثقافية: ونظرا للمكانة التي تحتلها في الاقتصاد السياحي، عملت الحكومة على تثمين الموارد الثقافية الغنية والمتنوعة وتحويلها إلى منتجات سياحية موضوعاتية من أجل تطوير عرض متكامل وجذاب، عبر وضع مخطط يهدف إلى المحافظة على الهوية الثقافية الوطنية وجعلها رافعة للتنمية المجالية، وإطلاق مشروع إنجاز “علامة تراث المغرب” للحفاظ على التراث الغير المادي، إضافة لتعزيز شبكة البنيات التحتية الثقافية بمختلف جهات المملكة عبر تأهيل وتثمين المدن العتيقة. علما أن هذا التأهيل لا ينحصر في البنيات فقط، بل يتجاوزه للتسيير والتنشيط، لضمان استدامة جاذبيتها لمختلف فئات السياح، سواء المغاربة أو الأجانب.
وفي ما يخص السياحة القروية والجبلية : عملت الحكومة على تثمين هذا المنتوج السياحي من خلال تعزيز مكانته واستغلال مؤهلاته حتى يرقى إلى المستوى المطلوب للرفع من تنافسيته وتعزيز جاذبيته، حيث يتم تفعيل مجموعة من الاتفاقيات لتمويل وتنفيذ المنتوج الطبيعي مع جهات كلميم وادنون، العيون الساقية الحمراء، الداخلة واد الذهب، بني ملال خنيفرة ، فاس مكناس .
وبخصوص السياحة الإيكولوجية: عملت الحكومة على وضع استراتيجية متكاملة لإبراز الثروة البيئية للمجالات الطبيعية، عبر تطوير منتوجات صديقة للبيئة تحترم مبادئ الاستدامة. وفي هذا الإطار، يجب الإشارة، إلى أن بلادنا وبالنظر لموقعها الجغرافي المتميز تتوفر على 9 ملايين هكتار من التشكيلات الغابوية الغنية والمتنوعة. ورغبة في تثمين المنتوج الغابوي والبيئي وصيانته مما يهدده، قامت بلادنا بإنشاء حوالي عشرة منتزهات وطنية، إضافة إلى 154 محمية طبيعية. والتي سيتم تأهيلها في إطار استراتيجية” غابات المغرب 2020 – 2030″.
حضرات السيدات والسادة،
بالإضافة إلى كل ما ذكرناه، انفتحت المملكة، وبشكل متزايد، على السياحة الرياضية، من خلال تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى قاريا ودوليا، لاسيما مع ما تتوفر عليه بلادنا، تحت قيادة جلالة الملك، من بنيات تحتية رياضية ولوجستيكية تشكل نموذجا يحتذى به على الصعيد القاري.
وفي هذا الإطار، لا يفوتني سوى أن أجدد التهاني لصاحب الجلالة، بمناسبة تتويجه من طرف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، بجائزته للتميز لسنة 2022، باعتباره قائد النهضة الرياضية التي تعرفها المملكة، وقدوة في مجال العناية بالشباب. ويعد هذا التتويج اعترافا دوليا بالمجهودات الاستثنائية التي بذلها جلالة الملك لصالح الرياضة عموما وكرة القدم المغربية والإفريقية على وجه الخصوص، من خلال حرص جلالته منذ توليه العرش على وضع الرياضة في صلب كل مسلسل تنموي.
وفي إطار العناية الملكية التي يوليها جلالته للرياضة والرياضيين، فقد دأبت بلادنا – كما ذكرت – على تنظيم عدد من التظاهرات الرياضية الكبرى القارية والدولية، كان آخرها كأس العالم للأندية الذي تم تنظيمه بكل من مدينتي الرباط وطنجة، وتوجت مختلف هذه التظاهرات بنجاح غير مسبوق على مستوى التنظيم، بالإضافة لحضور جماهيري قياسي، وهو ما يجعل بلادنا تحظى بثقة من لدن الاتحادات الرياضية على المستويين القاري والدولي .
ونستحضر في هذا السياق، المشاركة المتميزة للمنتخب الوطني لكرة القدم في كأس العالم بقطر، والتي ساهمت في إشعاع المملكة على المستوى الدولي، كما شكلت حملة تواصلية متميزة لفائدة بلادنا. حيث أثار كأس العالم اهتماما غير مسبوق بالمغرب، ولاسيما في صفوف المشاهير وصناع الرأي، الذين مثلوا 40 في المئة من الأشخاص، الذين تحدثوا بشكل إيجابي عن المغرب. كما ذكر اسم ” المغرب “ملايين المرات، وتم تسجيل أزيد من 130 مليون تفاعل مع محتويات ” المغرب ” من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، مما يتيح فرصة غير مسبوقة للقطاع السياحي ولحظة تاريخية للانفتاح على أسواق جديدة محتملة على غرار الولايات المتحدة، والبرازيل، والأرجنتين، والشرق الأوسط، وإفريقيا جنوب الصحراء.
ولاستغلال هذا الإنجاز التاريخي والفريد، فقد عملت الحكومة على استثماره قصد تعزيز إشعاع بلادنا، وتعزيز جاذبيتها السياحية خاصة فيما يتعلق بالانفتاح على الأسواق الجديدة والتي أظهر مواطنوها اهتماما كبيرا ببلادنا، من خلال محركات البحث والتواصل الاجتماعي.
وفي إطار هذه الدينامية، فإننا كحكومة نثمن عاليا إعلان جلالته في رسالته الموجهة للمشاركين في حفل جائزة “التميز” للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، الشهر الماضي، ترشح المغرب بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم 2030، وهو ما يشكل سابقة في تاريخ كرة القدم، كون هذا الترشيح الثلاثي يحمل عنوان الربط بين إفريقيا وأوروبا. كما يشكل أفقا جديدا في الشراكة الاستراتيجية، ويكرس لجيل جديد من التعاون والشراكات ويعكس توحيد جهود وإمكانات القارتين الإفريقية والأوروبية، ويجسد كما قال جلالة الملك في رسالته بكيغالي، ” أسمى معاني الالتئام حول أفضل ما لدى هذا الجانب أو ذاك، وينتصب شاهدا على تضافر جهود العبقرية والإبداع وتكامل الخبرات والإمكانات ” . (انتهى كلام جلالته).
وإننا نلتزم داخل الحكومة بمختلف مكوناتها على الانخراط في هذا المسار الذي يقوده صاحب الجلالة، من خلال إيمانه الراسخ بالأهمية الكبرى التي تحظى بها الرياضة، كمدخل من مداخل تحقيق التنمية ومجالا خصبا للاستثمار، وآلية للترويج للمملكة كوجهة سياحية. كما نؤكد حرص الحكومة على مواصلة العمل على تطوير البنية التحتية الرياضية على كل المستويات، لتقوية حظوظ المغرب لنيل شرف تنظيم مختلف التظاهرات القارية والدولية.
حضرات السيدات والسادة،
في خضم هذه الرهانات، تعتبر السياحة الداخلية ركيزة أساسية من ركائز القطاع السياحي نظرا لقدرتها على الصمود أثناء الأزمات، وهذا ما كشفت عنه الجائحة، حيث شكلت صمام أمان لإنقاذ القطاع من الانهيار. لذلك تعمل الحكومة على وضع أسس متينة لتطوير مستدام للسياحة الداخلية بجعلها رافعة لإنعاش القطاع السياحي، وذلك من خلال بلورة مجموعة من التدابير:
تشجيع الاستثمار لتطوير وحدات فندقية وقرى سياحية تناسب خصوصيات المغاربة من حيث المنتوج والأسعار؛
إحداث بطاقة السفر ” نتلاقاو في بلادنا ” التي تمنح تخفيضات في الأثمنة على مستوى التنقل عبر القطارات من أجل تشجيع المغاربة على التنقل واكتشاف الثروات السياحية لبلادهم؛
العمل على تطوير المخيمات السياحية لتقديم خدمات بجودة عالية وأثمنة مناسبة وذلك بشراكة مع فاعلين دوليين رائدين في المجال.
ونهدف من خلال هذه الإجراءات توفير عروض سياحية لجميع الفئات الاجتماعية، وبأسعار تفضيلية للسائح الوطني، من خلال تسهيل الولوج للخدمات السياحية الداخلية، حتى نساهم في تحقيق واحد من أبرز رهانات” الدولة الاجتماعية”، المتمثلة في العدالة الاجتماعية. مع العلم بأن متطلبات السائح المغربي لا تقل عن متطلبات نظيره الأجنبي، حيث أصبح المغربي يبحث عن نفس الجودة والخدمات السياحية التي يستفيد منها السياح الأجانب.
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة المستشارون المحترمون
كما لا يخفى عليكم، فإن تطوير القطاع السياحي، يقتضي اتخاذ مجموعة من التدابير المواكبة، على مستوى تطوير البنية التحتية واللوجستيكية، سواء فيما يتعلق بتطوير النقل الجوي، أو تأهيل مواني الاستقبال، أو على مستوى تعزيز شبكة السكك الحديدية.
فعلى مستوى إنعاش وتطوير النقل الجوي: عملت الحكومة على تعبئة جميع الجهود لتعزيز برنامج الرحلات ابتداء من موسم الصيف الماضي، حيث وفرت الخطوط الملكية المغربية 6 مليون مقعد عبر 80 خط جوي يغطي مختلف القارات، كما قامت بتعزيز أسطولها لتتمكن من إنجاز برنامج مكثف في أفضل الظروف، كما تم العمل على وضع منتوج موحد ومستدام يمكن من تخفيض السعر الإجمالي بـ 20 في المائة لفائدة جاليتنا المقيمة بالخارج إضافة إلى مجموعة من التسهيلات الأخرى لتمكينهم من التنقل لبلدهم في أحسن الظروف، مع استحداث ما قدره 48 خط جوي استثنائي لمواكبة الفترة الصيفية. فضلا عن تخصيص حوالي 300 مليون درهم في إطار اتفاقيات شراكة بين الدولة والجهات وشركات الطيران لمواكبة تعزيز الربط الجوي بمختلف الجهات.
ومن جهة ثانية تواصل الحكومة تطوير مشاريع البنية التحتية للمطارات، حيث صادق مجلس إدارة المكتب الوطني للمطارات، منتصف شهر مارس الماضي، على تخصيص ميزانية طموحة تصل إلى 4.8 مليار درهم، والتي ستمكن من استمرار الأشغال على مستوى مطاري الرباط – سلا وتطوان، وإطلاق الدراسات المعمارية والتقنية المرتبطة بمشاريع التوسعة المستقبلية للعديد من المطارات.
وعلى مستوى تأهيل المواني الجديدة: تواصل الحكومة إنجاز أشغال بناء ميناء الداخلة الأطلسي بتكلفة قدرها 12.65 مليار درهم والذي ينتظر أن يلعب دورا مهما في تنشيط السياحة بالأقاليم الجنوبية فضلا عن دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة. كما تواصل بناء ميناء الناظور غرب المتوسط بكلفة 12 مليار درهم كأكبر مشروع مهيكل في حوض البحر الأبيض المتوسط، ومنصة ذات إشعاع عالمي من شأنها أن تساهم في إنعاش القطاع السياحي ببلادنا.
أما في ما يخص تعزيز الشبكة الطرقية والسككية: تواصل الحكومة تعزيز البنية التحتية الطرقية والسككية، التي من شأنها أن توفر ظروفا مريحة وملائمة للسياح الأجانب والمغاربة للتنقل بسرعة وأريحية عبر ربوع المملكة. وفي هذا الإطار، عملت الحكومة على إنجاز الدراسات المتعلقة بمشاريع تمديد شبكة الخط الفائق السرعة الرابط بين مدينتي مراكش وأكادير، كما تعمل على مواصلة إنجاز الدراسات المتعلقة بمشروع الربط السككي لميناء الناظور – غرب المتوسط. وتواصل الحكومة إنجاز الطريق السريع تزنيت – الداخلة لتوفير محور طرقي بمواصفات دولية وجودة عالية.
حضرات السيدات والسادة،
وباعتبار قطاع الصناعة التقليدية رافعة لتثمين التراث الوطني وتعزيز الجاذبية الاقتصادية والسياحية لبلادنا، لكونه مكونا أساسيا لتجويد وتطوير العرض السياحي. فقد أولته الحكومة عناية خاصة، بفعل تضرره من تداعيات الأزمة الوبائية، خاصة وأنه يشغل أزيد من 2.5 مليون مغربي.
في هذا الإطار، تم العمل على إعادة تنظيم هذا القطاع، من خلال تفعيل قانون تنظيم الحرف الذي انتظره الصناع التقليديون منذ سنوات، وذلك باستصدار النصوص التنظيمية لتطبيق مقتضيات القانون المتعلق بمزاولة أنشطة الصناعة التقليدية، إضافة إلى إحداث السجل الوطني للصناعة التقليدية وكذا المنصة الإلكترونية الخاصة به لتمكين الصناع التقليديين من الاستفادة من جميع العروض والخدمات والمساعدات التي تقدمها الحكومة .
وفي إطار تطوير العرض التسويقي، عملت الحكومة على تسريع برامج تأهيل البنيات التحتية المتواجدة وإحداث بنيات جديدة عبارة عن فضاءات للعرض والبيع وقرى ومركبات، ومناطق أنشطة، ودور الصانعة بالعالم القروي، حيث توجد 64 بنية في طور الإنجاز، إضافة إلى إعداد مقاربة جديدة لتأهيل فروع الصناعة التقليدية، ترتكز على تطوير شامل للمنتوج المغربي، عبر توفير المواد الأولية والإنتاج ثم التسويق.
وستمكن هذه المقاربة من خلق مراكز الامتياز (centres d’excellence)، وحاضنات إحداث المقاولات (incubateurs) لتحسين جودة المنتوج. وتعزيز آليات تسويقها. ولمواكبة المهنيين فيما يخص الترويج لمنتوجات الصناعة التقليدية، أطلقت الحكومة حملة ترويجية كبرى لتسويق المنتوج المغربي في العديد من المدن المغربية بالمراكز التجارية الكبرى. وبالموازاة مع ذلك، تم تنزيل عدد من الاتفاقات المتعلقة بالتسويق الإلكتروني.
حضرات السيدات والسادة،
وبعد النجاح الذي عرفه المخطط الاستعجالي للحفاظ على عافية القطاع السياحي وعلى قدرته التشغيلية، عملت الحكومة في إطار مقاربة استشرافية، على بلورة وتنزيل خارطة الطريق الجديدة للقطاع، وهي خارطة مبتكرة، منسقة ومحكمة تستند إلى نهج عملي وحكامة ترابية وتشاركية، بهدف مواجهة تحدي النمو المستدام للقطاع، وجعله يتماشى مع التغيرات المهمة للطلب والأسواق.
وفي هذا الإطار، تم يوم 17 مارس الماضي التوقيع على اتفاقية إطار لتنزيل خارطة الطريق الاستراتيجية لقطاع السياحة بحلول عام 2026، بهدف وضع السياحة كقطاع رئيسي للنمو الاقتصادي، بميزانية تصل إلى 6.1 مليار درهم.
ونهدف من خلال خارطة الطريق هاته، إلى جذب 17.5 مليون سائح سنويا بحلول سنة 2026، وخلق حوالي 200.000 فرصة شغل مباشرة وغير مباشرة، والوصول إلى عتبة 120 مليار درهم كعائدات للقطاع من العملة الصعبة.
ولبلوغ هذه الأهداف، تروم خارطة الطريق المعتمدة تحويل القطاع السياحي عبر العمل على كل الروافع الأساسية، من خلال اعتماد تصور جديد للعرض السياحي يتمحور حول تجربة الزبون عبر 9 سلاسل موضوعاتية و 5 سلاسل أفقية؛ وذلك عبر:
وضع مخطط لمضاعفة سعة النقل الجوي ؛
تعزيز الترويج والتسويق مع إيلاء اهتمام خاص للرقمنة ؛
تنويع منتجات التنشيط الثقافية والترفيهية مع انبثاق نسيج من المقاولات الصغرى والمتوسطة النشطة والعصرية؛
تأهيل الفنادق وإحداث قدرات إيوائية جديدة؛
تعزيز الرأسمال البشري، عبر إطار جذاب للتكوين وتدبير الموارد البشرية، من أجل الارتقاء بجودة القطاع وإعطاء آفاق مهنية أفضل للشباب.
حضرات السيدات والسادة،
فكما استعرضت أمامكم، فالحكومة تولي أهمية كبيرة للقطاع السياحي، إيمانا منها بدور الرافعة الذي يلعبه لفائدة الاقتصاد الوطني، فضلا عن كونه يفتح آفاقا واعدة، في مجال توفير فرص الشغل. إضافة إلى باقي الأدوار التي يلعبها القطاع في الانفتاح على الآخر، ومد جسور التواصل والتعارف بين الشعوب، والتحرر من نزوعات التعصب والانغلاق.
والحمد لله، فبلادنا لديها من التراكمات والمقومات والمؤهلات ما يجعلها وجهة سياحية رائدة إقليميا ودوليا، وهو ما يعززه الأمن والاستقرار الذي تعرفه بلادنا تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك. ما يجبرنا على رفع سقف طموحاتنا عاليا، لنكون في مستوى التطلعات.
وفي الختام، لا يفوتني سوى أن أنوه بمختلف الفاعلين في القطاع السياحي، وأثمن الأدوار التي لعبوها تماشيا مع المجهودات الحكومية للصمود أمام تداعيات الأزمة الصحية، والحفاظ على مناصب الشغل.
كما أهيب بمختلف المتدخلين، لتعزيز انخراطهم في هذه الدينامية التي يعرفها القطاع بعد الشروع في تنزيل خارطة الطريق الاستراتيجية 2023 – 2026، لإبراز مقومات المغرب كوجهة سياحية متميزة، مع الأخذ بعين الاعتبار توسيع قاعدة العرض السياحي الوطني، واحتدام المنافسة على الصعيدين الإقليمي والدولي، والعمل على ابتكار أساليب جديدة ناجعة في مجال التسويق والترويج والتواصل، لتحقيق الاستغلال الأمثل للمؤهلات السياحية التي تزخر بها بلادنا، ما من شأنه أن يساهم في إشعاع المملكة خارجيا، وتكريس مظاهر الرخاء الاقتصادي والاجتماعي داخليا.
كما أدعوا جميع الفاعلين العموميين والاقتصاديين للمزيد من التعبئة وتضافر الجهود لإنجاح هذه الرؤية الاستراتيجية الطموحة. وأحث المؤسسات البنكية على تقديم المزيد من الدعم للاستثمارات السياحية، لمواكبة مبادرات المستثمرين، المغاربة منهم والأجانب، في إنجاز مشاريعهم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته