24 مارس 2024

في معادلة الواجب الشرعي … والديمقراطية، كنازلة شرعية!

في معادلة الواجب الشرعي … والديمقراطية، كنازلة شرعية!

حميد جماهري

شيئا فشيئا، ينزع القاموس السياسي نحو المصطلح الفقهي أو الشرعي، ونحتكم إلى الوازع الديني في تفسير التصويت.

فقد رأينا مرشح حزب العدالة والتنمية، حمادي القباج يتحدث عن «التصويت له والتعاون معه كواجب شرعي»، وهو بذلك يسند موقفه بالترشح إلى جانبه باعتباره واجبا شرعيا، ثم يدعو أنصاره إلى التعبير عن ذلك بالاقتراع.

طبعا عندما يشرّع الأستاذ عبد الإله بنكيران لمواقفه السياسية بالقول، كما في فاتح ماي 2013، عبر التأكيد أن »الله« عز وجل » فاعل سياسي«، وهو، تعالى وعلا ، حسب الأستاذ رئيس الحكومة «فاعل رئيسي في كل شيء حتى في السياسة»، يكون المنطلق قد تحدد ، منذ سنين ، وأن التفرعات منه وعليه مجرد مسألة وقت.

نحن أمام انزلاق، يشبه انزلاق القارات، وهجرة كبيرة للمصطلح، من قاموس التنافس الديمقراطي، إلى الصراع الشرعي، يصعب فيه أن تجد المشتركات الجماعية على قاعدة الممارسة السياسية المتعارف عليها كونيا؟.

فإذا كان الجواب السياسي الراهن شرعيا مبررا، ماذا يمكن أن نقول في الحكم عليه؟

فلا اجتهاد مع الشرع في هذه الحالة!

من ماي 2013 إلى غشت 2016، يكون المصطلح الشرعي قد اكتسب مساحات غير مسبوقة في التداول السياسي، وله أن يخضع للتشريح الهادئ والرصين، لما له من حمولة خطيرة…

لا أحد يجادل في حق حمادي القباج في الترشح..

لا أحد يمكنه أن يعيب على العدالة والتنمية أنه اختار شخصية مثيرة للجدل والجدال، وقناعاتها الديمقراطية لم تثبت بعد..

إنما هل يمكن القبول بهذا النزوع، الذي يجعل من العلي القدير سبحانه عما يصفون، فاعلا سياسيا يحضر الانتخابات كمجريات من مجريات القدر ويجعل من التصويت موقفا شرعيا يسنده الإيمان بالله ؟

ومما يزيد من طرح السؤال هو أن شخصية سياسية تعطي الانطباع بطباعها المنفتحة مثل عزيز الرباح:، تمتح من القاموس إياه وتعتبر أن «مواجهة التحكم فرض عين..»! بكل ما يحمل ذلك من شحنات فقهية.

لنلخص :

عندما يكون الله سبحانه وتعالى فاعلا سياسيا

بالنسبة للتوحيد والإصلاح

والعدالة والتنمية

و يكون التصويت على السياسي منهما واجبا شرعيا

بالنسبة للسلفية المغراوية أو المنشقين عنها..

علينا أن نسأل،بالمجاز والبلاغة :على من يفترض في ذهن المتلقي أنه سيصوت سبحانه وتعالى؟( أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم؟)…

هذا لبس نعتقد بأن التيار الديني ملزم بالتفكير فيه مليا، لما له من حمولة صعبة على الإيمان الذي ينزهه تعالى وعلا عن كل فعل بشري!

هذا من جهة…

ومن جهة ثانيا: إن الاشتغال بناء على هذه التعريفات لن تلزم أحدا في المستقبل بالدفاع عن الديمقراطية، ما لم تكن هي نفسها، تتحدث لغتها وتقتنع بها..

فمن ذا الذي سيقتنع بأن الأصوات «الربانية» المحصل عليها، في حالة لم تكن هي الغالبة يمكنها أن تطعن الديمقراطية البشرية؟…

من تراه يفترض أن التصويت الشرعي ، يمكن أن ينهزم؟

وهل يمكن للتحكم أن يهزم… الشرع؟..

إن المعادلة لا تستقيم إلا إذا كان التحكم يواجه الديمقراطية وليس الشرع!

غير ذلك تكون المواجهة ذات مغزى مغاير تماما للصراع السياسي لمدة 60 سنة من أجل بناء دولة الحق والقانون، والملكية البرلمانية والدولة المدنية والفصل في السلط وووووو..

إن الحل، الذي يبدو منظورا هو أن «التسويات» هي التي ستغلب وأن الميزان سيكون مغايرا..في الحكم على كل «تراجع» هو بمثابة «الردة» الديمقراطية!

لن يقبل الديمقراطيون ، في تقديري، بأي مس بالمنهجية الديمقراطية كما أسس لها الدستور،

وربما قد يكون ردهم أقوى من رد الذين قد تضيع منهم حقوقهم التي أعطاهم إياها التصويت..

ولن يدافعوا عن الواجبات الشرعية … للبرلمان!

نحن نعيش انزلاقا آخر، يتفرع عما سبق، وهذا الانزلاق هو أن يفرض على المترشحين السياسيين الديمقراطيين والإنسانيين أن يسيروا ، ديمقراطيا وسياسيا بين البنك….. والمسجد

بين الداعية والرجل الغني!

بين الدولة والدين!

سيكون عليهم أن يثبتوا أنهم بارعون في التمويه، وفي التسلل بين الألغام..كأي كوماندو في عملية ليلية محفوفة بالمخاطر!

الذين جربوا مثلي السير بين قطرتي مطر، سيدركون أن هذا المجاز أصعب من الواقع، وأن القطرتين حتى وإن تبللت بهما لن يكون عليك أن تسقط صريع معادلة …يستمد فيها الداعية دعمه من الله،

والثري دعمه من البنك وتبقى بينهما تبحث عن الأدنى الإنساني ، وعمَّ في الديمقراطية من إنسانية ومن حرية ومن إمكانية للتجربة والمغامرة…

يسأل اليساري الحالم : أين الطبقة المتوسطة، لعلها تسعفه بدورها في عقلنة المشهد؟

فيجيبه الصدى، ..

وينتبه أنها موزعة بين البحث عن طمأنينة في المعتقد

وطمأنينة في حريته، وأن جزءا منها تحول من حمل المشروع الحداثي إلى المشروع المحافظ..

وأن بعضها قد تحول إلى مفاهيم الحداثة بدون شعور كبير بضرورة الديمقراطية ..

إن الأمر يتجاوز مشروع برلماني سيؤذن في كل دورة برلمانية بلغة الدعاة،

وأكبر من تفصيل صغير يشمل بلاغيات حماسية في فاتح ماي

وأكبر من تدوينة لشخصية مغربية أثبتت قراءتها الداخلية للأحداث

إنه انزلاق في المصطلح يحور مشروع الصراع حول الديمقراطية ويهرب به إلى معادلة يكون فيها «عز وعلا» هو الحكم في صراع سياسي بين البشر..

(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *