16 أبريل 2024

خرافة متوافق عليها

خرافة متوافق عليها

يونس مجاهد

عند اقتراب نهاية السنة الميلادية، يثار جدل حول موضوع الإحتفال برأس السنة الأمازيغية، في إطار الإعتراف المغربي بانتمائه الأصلي لهذه الهوية، التي طمستها قرون من حكم الدول، والروايات الرسمية المتداولة التي مازالت هي السائدة اليوم، والتي كتبها المنتصرون، ليس فقط بالنسبة للتاريخ الأمازيغي للمغرب، بل لكل أطوار هذا التاريخ، كما حدث في كل البلدان.

لذلك فإن موضوع الإحتفال برأس السنة الأمازيغية، يطرح إشكالات علمية حقيقية، تتجاوز مجرد المطالبة بحق من الحقوق، بل إنه يدعونا جميعا إلى مراجعة مقاربتنا للروايات التاريخية، التي تملأ كتبنا وقناعاتنا، سواء بالنسبة لتاريخ الدولة المغربية، أو لانتماء شعوب المنطقة المغاربية وعلاقاتهم مع مختلف الشعوب الأخرى، في مصر والمشرق وأوروبا وإفريقيا.

يمكن القول إن ما وصلنا من روايات حول تاريخنا، يحتاج إلى مراجعات شاملة، على مختلف المستويات، قبل آلاف السنين، بدءاً بتاريخ الأمازيغ وحضارتهم ودولهم، مروراً بتفاعلهم مع محيطهم والغزوات التي تعرضت لها منطقتهم، وصولاً إلى ما سمي بالفتح الإسلامي، والذي تؤكد العديد من الدراسات التاريخية، أن ما يروج حوله من صور جاهزة وحكايات، غير صحيحة نهائيا.

بل أكثر من ذلك، فإن التاريخ المعروف حول دولة الأدارسة مثلاً، ليست بتلك السلاسة الروائية التي يحكى بها، علماً أن دولا أخرى كانت قائمة، مثل البورغواطيين، لا نعلم عنهم كثيراً، بالإضافة إلى دول ووقائع أخرى، ليس في المغرب وحده، بل في الجزائر وتونس وليبيا.

وقد حاول بعض المؤرخين سبر أغوار هذا الماضي، من أجل مراجعة الرواية السائدة، وأثبتوا أن هذه الرواية ليست دقيقة، وتحتاج إلى تصحيح، على ضوء الكتابات والوثائق الموجودة لدى الشعوب الأخرى، القريبة من المنطقة، وكذا الأبحاث الأركيولوجية، خصوصا، والتي قلبت الكثير من القناعات، ليس في موضوع تاريخ الشعوب، فحسب، بل في تاريخ الأرض والجنس البشري.

يحتاج القبول بهذه المقاربة، الكثير من سعة الأفق، والإبتعاد عن الروايات الجاهزة، في التعامل مع التاريخ الأمازيغي، كما لو كان مجرد تأريخ زمني فلاحي، طبقاً للصيغة الرسمية المتداولة، والتي تهدف  إلى تجنب الإنفتاح على أبحاث ودراسات علمية جدية، حتى نعرف تاريخنا الحقيقي، ونتخلص من الميثولوجيات المتداولة، كما قال عنها نابوليون بونابارت؛ إن التاريخ مجرد “خرافة متوافق عليها”.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *