28 مارس 2024

بين الحريات الفردية وتدبير العيش المشترك

بين الحريات الفردية وتدبير العيش المشترك

عبد الله طلال صحفي وكاتب

كنا ولا زلنا على درب… نقاش موسمي…يتصدر واجهة الإعلام المكتوب وخاصة الإلكتروني منه شهرا كل حول… تماما كموائد الإفطار المتناثرة عبر أزقتنا خلال الشهر الفضيل… والمنصوبة *أغلبها* لغير وجه الرحمان… نعم أقول الفضيل والكريم… عن قناعة راسخة لدى كاتب هاته السطور. إن كنا حقا لثقافة حقوق الإنسان حاملين وبمبادئها متشبتين… نقاش يفرضه أفراد يعيشون بين ظهرانينا…بجرأة عالية. وابتسامة أنثوية. وقيادة نون نسوة لا تؤمن إلا بالعالمية والكونية…

درئا لكل تأويل مغرض وسدا للذرائع في وجه *شرطة النوايا*…أقول جهرا أنني مع إلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي. ومستعد للدفاع عن حق الرافعين للمطلب… بكل روح فولتيرية.

لكن تعالوا نتفحص أولا العملة من وجهيها حتى نقيم وزنها ذهبا أو فضة.

موضوع الحريات الفردية أشمل وأعقد من اختزاله في الإفطار علنا والناس صيام. أو الجهر باللاعتقاد واللادينية في بلاد الإسلام…

الحريات الفردية – يا دوي الألباب- تصور فلسفي متكامل خلاصة معارك معرفية وثقافية طويلة الأمد. ونتيجة تطور مجتمعي طبيعي لثقافات وحضارات مغايرة. ولا أقول *مختلفة أو متناقضة*… لنأخذ حرية الإفطار جهرا نموذجا.

أولا – طرح الموضوع بصيغة استفزازية وفي زمن محدد ذي خصائص سوسيو- ثقافية وعقدية مخالفة تماما لمثيلاتها. باقي شهور السنة… وداخل مجتمع يشكل المقدس* ولا أقول الدين* بالنسبة له أسبقية تاريخية…يؤسس فعلا وبالملموس لإعدام أي فرصة للتقدم… ويضرب شرعية الحق في مقتل… فاتحا الباب على مصراعيه للغوغائية والسطحية والردود المتطرفة من جانبين.

ثانيا – *طقس الصيام* كما يمارسه كثير من الناس اليوم. تعطيل للدورة الإنتاجية في البلد… فطيلة شهر بالتمام والكمال… إدارات فارغة من موظفيها ومعامل وشركات على وفاضها خاوية… بحجة الصيام….عنف وجرائم ضرب وجرح وقتل…بمبرر رمضان…

من الأفضل إذن الإفطار لإزالة علة الصيام كمبرر لإهدار اقتصادي وغيره طيلة شهر كامل…

ثالثا – كثيرون من الناس يصومون الحول كله *كل اثنين وخميس* ونساء يؤدين ما بذمتهن من دين…أمام إفطار الغالبية دون تعطيل للدورة الإنتاجية ولا حوادث واصطدامات عقدية وخلافات دينية بين مفطر وممسك…

رابعا- هل وصل العقم الاجتهادي لدى متنورينا حد عدم إمكانيات إبداع صيغ حضارية. وآليات لتدبير العيش المشترك فيما بيننا. لا أعتقد ذلك…

التفسير الأقرب إلى *رؤيتي للأشياء* أن هناك من يسعى إلى إطالة أمد هذا التناقض الثانوي البسيط. وتعميق جرح الخصام العقدي… لفائدة إلغاء التناقض الجوهري داخل مجتمعنا…

إنه افتعال مقصود لمعيركات هامشية…تلهي الناس عن معركتهم الحقيقية…معركة العيش الكريم. مبتدأ الصراع ومنتهاه مع السلطوية…كيف نسأل جائعا عن دينه وربه…أفلا تعقلون.

افتعال معيركة *الحريات الفردية * بشكلها وصيغتها الحاليتين لصالح جهتين.

أصولية – تسعى إلى تأسيس شرعية تواجدها بمبرر الدفاع عن الدين *كما تراه هي لا غيرها*.

سلطوية – تؤسس مشروعيتها عبر التدخل لفك النزاع بين الطرفين عبر آليات قروسطوية.

خامسا- هل حقا نحن *شعب محافظ* كما ذهب إلى ذلك أستاذنا محمد الساسي في إحدى مقالاته.اعتمادا على مضامين استطلاعات رأي منجزة من قبل مجلات وأسبوعيات ذات نفحة فرنكوفونية. كانت على الدوام تثير في دواخلي تساؤلات كبرى حول نتائجها وأساليب إجرائها وعيناتها المستجوبة وتوقيت إعلان خلاصاتها للعموم…

فما خلص إليه الأستاذ الساسي *اعتمادا على أرقام المصادر السالفة*.

من ارتفاع *منسوب التدين * في مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة.

ليس مرده ما ذكره من أسباب في تفاصيل مقالته… ولكن في اعتقادي المتواضع أن الأمر جواب خاطئ على إشكال أعمق وأعقد تتداخل فيه أسئلة الأزمة والهوية وغيرهما…

فانتشار أشكال ومظاهر التدين لا يعكس بالضرورة *طبيعة محافظة* لدى المجتمع. ولا قناعة عقدية- فكرية راسخة…نعم المقدس يشكل أسبقية تاريخية لساكنة المغرب – حسب النظرية الخلدونية -…لكن الدين أديان لديه. والتقسيمات الأكاديمية المفروضة في الكراسات حول الدين الرسمي والشعبي والحركي…لا تكاد تصمد أمام صخرة الواقع المجتمعي…فوحده الإسلام المسمى شعبيا…إسلامات متعددة حسب المناطق والقبائل والمداشر…وما اختلط بالدين من طقوس وعادات محلية… تفكيكه وسبر أغواره يحتاج إلى عديد بحوثات علمية رصينة. لا خلاصات أكاديمية متسرعة…تتحول بفعل تكرارها إلى كليشيهات مفصولة تماما عن كل واقع ملموس.

حجتي في التدليل على صحة القول أعلاه…إلى حدود سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم كان المجتمع يعيش نوعا من *الدنيوية*

La sécularisation

وهنا اختلف مع الصديق والزميل يونس دافقير في أمرين.

أولهما- أن هكذا وضع- كما يقول- امتد إلى حدود التسعينيات…لكون المرحلة ذاتها بدأت تعرف تسرب و انتشار*أشكال التدين* التي تحدث عنها الأستاذ الساسي…أو ما يمكن أن نسميه *مرحلة النكوصية*.

والثاني- ما اسماه الزميل دافقير بالحاجة إلى *التعايش* فيما بيننا..لكون الأخير ينسحب على عقائد مختلفة وأديان مغايرة تتعايش في نفس الرقعة الجغرافية…والحالة هنا أننا أمام *واقعة* معقدة للغاية…مجتمع له نفس الجذور الهوياتية. و مر من نفس قناة التنشئة السوسيو- ثقافية و السياسية…لكن فجأة انفجر الخلاف بين أفراده حول المنظومة القيمية برمتها… من اعتقاد النقيض إلى الإيمان بالنقيض…

واقعة من دون شك.تحتاج إلى كثير دراسات وبحوث عميقة ورصينة.كما أسلفت….قصد التشخيص والفهم أولا…

والأهم ابتداع أساليب حضارية لتدبير طرق العيش المشترك بين أفراد المجتمع الواحد. إبداع أسلوب عقلاني للعيش المشترك سيجعلنا بمنأى عن المتشابهات من الأمور والأحكام… ويخرجنا من المنطقة الرمادية التي يحاول البعض خنق مجتمعنا بضبابيتها. ومحاصرته داخلها…تخوفا من خروجه إلى فضاءات أرحب وأوسع…تشكل بكل تأكيد تهديدا مزدوجا لمصالح السلطوية والأرثودوكسية بكل تلاوينها…

حل الإشكال سيجعلنا نتفرغ للسؤال الأكبر والأهم…إنه التقسيم العادل لخيرات البلد…فمن السذاجة بمكان أن يجمعني بأحدهم الحق في الإفطار العلني ويفرق بيننا الحق في الرصيد البنكي السري…

ومساهمة في الحل نقترح إحداث لجنة تضم كافة الأطياف والحساسيات

* لجنة الحريات الفردية وحقوق الجماعة الاجتماعية* لإنتاج *ميثاق وطني للعيش المشترك*. وصياغة سبل عقلانية لتدبير ممارسة الحرية الفردية دون اغتصاب حق الجماعة… لمن ألقى السمع وهو شهيد.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *